فقال الحسين : هات ، فو اللَّه ، ما أنت عندي بمسيء الرأي ، فقل ما أحببت .
فقال : قد بلغني أنّك تريد العراق وإنّي مشفق عليك من ذلك ، إنّك ترد إلى قوم فيهم الاُمراء ومعهم بيوت الأموال ، ولا آمن عليك أن يقاتلك مَن أنت أحبّ إليه من أبيه واُمّه ميلاً إلى الدنيا والدرهم ، فاتّق اللَّه ولا تخرج من هذا الحرم .
فقال له الحسين : ۱جزاك اللَّه خيراً يا بن عمّ! فقد علمت أنّك أمرت بنصح ، ومهما يقضي اللَّه من أمر فهو كائن ، أخذت برأيك أم تركته . قال : فانصرف عنه عمر بن عبد الرحمن وهو يقول :
رُبَّ مستنصحٍ سَيعصى ويؤذىو نَصيحٍ بالغيبِ يلفي نصيحا
قال : وقدم ابن عبّاس في تلك الأيّام إلى مكّة ، وقد بلغه أنّ الحسين عليه السلام يريد أن يصير إلى العراق ، فأقبل حتّى دخل عليه مسلّماً ، فقال : جعلت فداك يا ابن بنت رسول اللَّه! إنّه قد شاع الخبر في الناس وأرجفوا بأنّك سائر إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت صانع؟
فقال الحسين : نعم ، إنّي أزمعت على ذلك في أيّامي هذه إن شاء اللَّه ، ولا قوّة إلّا باللَّه .
فقال ابن عبّاس رحمه اللّه : اُعيذك باللَّه من ذلك! فإن تصر إلى قوم قد قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم و نفوا عدوّهم ، في مسيرك إليهم لعمري الرشاد والسداد ، وإن كانوا إنّما دعوك إليهم وأميرهم قاهر لهم ، وعمّالهم يجبون بلادهم ، وإنّما دعوك إلى الحرب والقتال ، وإنّك تعلم أنّه بلد قد قُتِلَ فيه أبوك ، واغتيل فيه أخوك ، وقتل فيه ابن عمّك ، وبويع يزيد بن معاوية ، وعبيد اللَّه بن زياد في البلد يعطي ويفرض ، والناس اليوم إنّما هم عبيد الدينار والدرهم ، ولا آمن عليك أن تقتل ، فاتّق اللَّه والزم هذا الحرم .
فقال له الحسين : واللَّه ، أن اُقتل بالعراق أحبّ إليَّ من أن اُقتل بمكّة ، وما قضى اللَّه فهو كائن ، و أنا مع ذلك أستخير اللَّه وأنظر ما يكون .