قال : ثمّ وثب أسماء بن خارجة إلى عبيد اللَّه بن زياد فقال : أيّها الأمير ، أمرتنا أن نأتيك بالرجل فلمّا جئناك به وأدخلناه إليك هشمت وجهه وأسلت دمه ، وزعمت أنّك تقتله؟! قال : فغضب ابن زياد وقال : وأنت ههنا أيضاً؟ ثمّ أمر بأسماء بن خارجة فضرب حتّى وقع لجنبه .
قال : فحبس أسماء ناحية من القصر وهو يقول : إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! إلى نفسي أنعاك يا هانئ .
قال : وبلغ ذلك بني مذحج ، فركبوا جميعهم عن آخرهم حتّى وافوا باب القصر ، فضجّوا وارتفعت أصواتهم .
فقال عبيد اللَّه بن زياد : ما هذا؟ فقيل له : أيّها الأمير ، هؤلاء عشيرة هانئ بن عروة يظنّون أنّه قد قتل .
فقال ابن زياد للقاضي شريح : قم فادخل إليه وانظر حاله واخرج إليهم وأعلمهم أنّه لم يقتل .
قال : فدخل شريح إلى هانئ فنظر إليه ، ثمّ خرج إلى القوم فقال : يا هؤلاء! لا ۱تعجلوا بالفتنة فإنّ صاحبكم لم يقتل ، والذي أبلغكم فإنّه أبلغكم باطلاً .
قال : فرجع القوم وانصرفوا .
قال : وخرج عبيد اللَّه بن زياد من القصر حتّى دخل المسجد الأعظم فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثمّ التفت فرأى أصحابه عن يمين المنبر وعن شماله وفي أيديهم الأعمدة والسيوف المسلّلة ، فقال : أمّا بعد؛ يا أهل الكوفة فاعتصموا بطاعة اللَّه ورسوله محمّد صلى اللّه عليه و سلم وطاعة أئمّتكم ، ولا تختلفوا ولا تفرّقوا؛ فتهلكوا وتندموا وتذلّوا وتقهروا ، فلا يجعلنّ أحد على نفسه سبيلاً ، وقد أعذر من أنذر .
قال : فما أتمّ عبيد اللَّه بن زياد ذلك الخطبة حتّى سمع الصيحة ، فقال : ما هذا؟ فقيل له : أيّها الأمير ، الحذر الحذر! هذا مسلم بن عقيل قد أقبل في جميع مَن بايعه! قال : فنزل عبيد اللَّه بن زياد عن المنبر مسرعاً وبادر فدخل القصر وأغلق الأبواب .