و دخل الحسين إلى مكّة ففرح به أهلها فرحاً شديداً . قال : وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشيّة ، واشتدّ ذلك على عبداللَّه بن الزبير؛ لأنّه قد كان طمع أن يبايعه أهل مكّة ، فلمّا قدم الحسين شقّ ذلك عليه ، غير أنّه لا يبدي ما في قلبه إلى الحسين ، لكنّه يختلف إليه ويصلّي بصلاته ويقعد عنده ويسمع من حديثه ، وهو مع ذلك يعلم أنّه لا يبايعه أحد من أهل مكّة والحسين بن عليّ بها؛ لأنّ الحسين عندهم أعظم في أنفسهم من ابن الزبير .
قال : وبلغ ذلك أهل الكوفة أنّ الحسين بن عليّ قد صار إلى مكّة . وأقام الحسين بمكّة باقي شهر شعبان ورمضان وشوّال وذي القعدة .
قال : وبمكّة يومئذ عبداللَّه بن عبّاس وعبداللَّه بن عمر بن الخطّاب (رضي اللَّه عنهم) فأقبلا جميعاً حتّى دخلا على الحسين ، وقد عزما على أن ينصرفا إلى المدينة ، فقال له ابن عمر : أبا عبداللَّه رحمك اللَّه! اتّق اللَّه الذي إليه معادك! فقد عرفت من عداوة أهل هذا البيت لكم و ظلمهم إيّاكم ، وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية ، ولست ۱آمن أن يميل الناس إليه لمكان هذه الصفراء والبيضاء ، فيقتلونك ويهلك فيك بشر كثير؛ فإنّي قد سمعت رسول اللَّه صلى اللّه عليه و سلم وهو يقول : حسين مقتول ، ولئن قتلوه وخذلوه ولن ينصروه ليخذلهم اللَّه إلى يوم القيامة! وأنا اُشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس ، واصبر كما صبرت لمعاوية من قبل ، فلعلّ اللَّه أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين .
فقال له الحسين : أبا عبد الرحمن ، أنا اُبايع يزيد وأدخل في صلحه وقد قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فيه وفي أبيه ما قال؟!
فقال ابن عبّاس : صدقت أبا عبداللَّه ، قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في حياته : ما لي وليزيد ، لا بارك اللَّه في يزيد! وإنّه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين رضى اللَّه عنه ، والذي نفسي بيده ، لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلّا خالف اللَّه بين قلوبهم وألسنتهم!
ثمّ بكى ابن عبّاس وبكى معه الحسين وقال : يا ابن عبّاس ، تعلم أنّي ابن بنت