يفوتون طرفه ، فإذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرّق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم حيث إذا أراد إنسان من جماعتهم وضوءاً أو قضاء حاجة لم يحتشم . فسار معهم في جملة النعمان ، ولم يزل ينازلهم في الطريق ويرفق بهم - كما وصّاه يزيد - ويرعونهم حتّى دخلوا المدينة .
فصل
۱ولمّا أنفذ ابن زياد برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد ، تقدّم إلى عبد الملك بن أبي الحديث السلمي فقال : انطلق حتّى تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فبشّره بقتل الحسين ، فقال عبد الملك : فركبت راحلتي وسرت نحو المدنية ، فلقيني رجل من قريش ، فقال : ما الخبر؟ فقلت : الخبر عند الأمير تسمعه ، فقال : إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون! قتل - واللَّه - الحسين .
ولمّا دخلت على عمرو بن سعيد قال : ما وراءك؟ فقلت : ما سرّ الأمير ، قتل الحسين بن علي ، فقال : اخرج فناد بقتله ، فناديت ، فلم أسمع واللَّه واعية قطّ مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن عليّ عليهما السلام حين سمعوا النداء بقتله ، فدخلت على عمرو بن سعيد ، فلمّا رآني تبسّم إليَّ ضاحكاً ، ثمّ أنشأ متمثّلاً بقول عمرو بن معدي كرب :
عجّت نساءُ بني زياد عَجَّةًكعجيجِ نِسوتنا غداةَ الأرنبِ
ثمّ قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان . ثمّ صعد المنبر فأعلم الناس قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام ، ودعا ليزيد بن معاوية ونزل .
۲ودخل بعض موالي عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام فنعى إليه ابنيه ، فاسترجع ، فقال أبو السلاسل مولى عبداللَّه : هذا ما لقينا من الحسين بن عليّ! فحذفه عبداللَّه بن جعفر بنعله ، ثمّ قال : يا ابن اللخناء ، أللحسين تقول هذا؟! واللَّه ، لو شهدته لأحببت ألّا اُفارقه حتّى اُقتل معه ، واللَّه ، إنّه لمّما يسخي بنفسي عنهما ويعزّيني عن المصاب بهما أنّهما اُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له ، صابرين