عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم ، قال : فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبداللَّه فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا : القه فأعلمه ، ثمّ القنا بما يقول لك .
فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسين عليه السلام يخبره الخبر ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ، ويكفّونهم عن قتال الحسين ، فجاء العبّاس إلى الحسين عليه السلام فأخبره بما قال القوم ، فقال : ارجع إليهم ، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى الغدوة وتدفعهم ۱عنّا العشيّة ، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أنّي قد اُحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه والدعاء والاستغفار .
فمضى العبّاس إلى القوم ورجع من عندهم ومعه رسول من قبل عمر بن سعد يقول : إنّا قد أجّلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرّحناكم إلى أميرنا عبيد اللَّه بن زياد ، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم ، وانصرف .
فجمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء ، قال عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام : فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم ، وأنا إذ ذاك مريض ، فسمعت أبي يقول لأصحابه :
أثني على اللَّه أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضراء ، الّلهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة ، وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ، فاجعلنا من الشاكرين .
أمّا بعد ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم اللَّه عنّي خيراً ، ألا وإنّي لأظنّ أنّه آخر يوم لنا من هؤلاء ، ألا وإنّي قد أذنت لكم ، فانطلقوا جميعاً في حلّ ، ليس عليكم منّي ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً .
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبداللَّه بن جعفر : لِمَ نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا اللَّه ذلك أبداً . بدأهم بهذا القول العبّاس بن عليّ (رضوان اللَّه عليه) واتّبعته الجماعة عليه فتكلّموا بمثله ونحوه .