يسألونني القدوم ففعلت ، فأمّا إذ كرهوني وبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم ، فأنا منصرف عنهم .
قال حسّان بن قائد العبسي : وكنت عند عبيد اللَّه حين أتاه هذا الكتاب ، فلمّا قرأه قال :
ألآن إذ عَلَقَت مخالبُنا بِهِيَرجو النجاةَ ولاتَ حينَ مناصِ
وكتب إلى عمر بن سعد : أمّا بعد : فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت ، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه ، فإذا فعل هو ذلك رأينا رأينا ، والسلام .
فلما ورد الجواب على عمر بن سعد قال : قد خشيت ألّا يقبل ابن زياد العافية ، وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى عمر بن سعد : أن حُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة ، كما صنع بالتقيّ الزكيّ عثمان بن عفان .
فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجّاج في خمسمئة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء أن يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة ۱أيّام ، ونادى عبداللَّه بن الحصين الأزدي - وكان عداده في بجيلة - بأعلى صوته : يا حسين ، ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء ، واللَّه ، لا تذوقون منه قطرة واحدة حتّى تموتوا عطشاً .
فقال الحسين عليه السلام : الّلهمّ اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً .
قال حميد بن مسلم : واللَّه ، لعدته بعد ذلك في مرضه ، فواللَّه الذي لا إله غيره ، لقد رأيته يشرب الماء حتّى يبغر ، ثمّ يقيئه ويصيح : العطش العطش ، ثمّ يعود فيشرب الماء حتّى يبغر ، ثمّ يقيئه ويتلظّى عطشاً ، فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ نفسه .
ولمّا رأى الحسين نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله أنفذ إلى عمر بن سعد : إنّي اُريد أن ألقاك فاجتمعا ليلاً فتناجيا طويلاً ، ثمّ رجع عمر بن سعد إلى مكانه وكتب إلى عبيد اللَّه بن زياد : أمّا بعد؛ فإنّ اللَّه قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة