وإنّما فعل ذلك؛ لأنّه عليه السلام علم أنّ الأعراب الذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه وهم يظنّون أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون على ما يقدمون .
فلمّا كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ، ثمّ سار حتّى مرّ ببطن العقبة فنزل عليها ، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له : عمرو بن لوذان ، فسأله : أين تريد؟ فقال له الحسين عليه السلام : الكوفة .
فقال الشيخ : أنشدك اللَّه لمّا انصرفت ، فواللَّه ، ما تقدم إلّا على الأسنّة وحدّ السيوف ، وإنّ هؤلاء الذين بعثوا إليك ، لو كانوا كفوك مؤونة القتال ، ووطّؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم ، كان ذلك رأياً ، فأمّا على هذه الحال التي تذكر فإنّي لا أرى لك أن تفعل .
فقال له : يا عبداللَّه ، ليس يخفى عليَّ الرأي ، ولكن اللَّه تعالى لا يغلب على أمره ، ثمّ قال عليه السلام : واللَّه ، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط اللَّه عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الاُمم .
ثمّ سار عليه السلام من بطن العقبة حتّى نزل شراف ، فلمّا كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ، ثمّ سار منها حتّى ۱انتصف النهار ، فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه فقال له الحسين عليه السلام : اللَّه أكبر! لِمَ كبّرت؟ قال : رأيت النخل ، فقال له جماعة من أصحابه : واللَّه ، إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قطّ .
فقال الحسين عليه السلام : فما ترونه؟ قالوا : نراه واللَّه آذان الخيل ، قال : أنا واللَّه أرى ذلك ، ثمّ قال عليه السلام : ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا ، ونستقبل القوم بوجه واحد؟ فقلنا : بلى ، هذا ذو حسمى۲ إلى جنبك ، تميل إليه عن يسارك ، فإن سبقت إليه فهو كما تريد .