فلمّا أتاه نعي معاوية فظع به ، وكبر عليه ، فبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه إليه - وكان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارهاً - فلمّا رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه ، فبلغ ذلك مروان ، فجلس عنه وصرمه ، فلم يزل كذلك حتّى جاء نعي معاوية إلى الوليد ، فلمّا عظم على الوليد هلاك معاوية وما أمر به من أخذ هؤلاء الرهط بالبيعة ، فزع عند ذلك إلى مروان ، ودعاه ، فلمّا قرأ عليه كتاب يزيد ، استرجع وترحّم عليه ، واستشاره الوليد في الأمر ، وقال : كيف ترى أن نصنع؟
۱قال : فإنّي أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة ، فإن فعلوا قبلت منهم ، وكففت عنهم ، وإن أبوا قدّمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنّهم إن علموا بموت معاوية وثب كلّ امرئ منهم في جانب ، وأظهر الخلاف والمنابذة ، ودعا إلى نفسه لا أدري؛ أمّا ابن عمر فإنّي لا أراه يرى القتال ، ولا يحبّ أنّه يُوَلَّى على الناس ، إلّا أن يدفع إليه هذا الأمر عفواً .
فأرسل عبداللَّه بن عمرو بن عثمان - وهو إذ ذاك غلام حدث - إليهما يدعوهما ، فوجدهما في المسجد وهما جالسان ، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس ، ولا يأتيانه في مثلها ، فقال : أجيبا ، الأمير يدعوكما!
فقال له : انصرف ، الآن نأتيه ، ثمّ أقبل أحدهما على الآخر ، فقال عبداللَّه بن الزبير للحسين : ظُنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها!
فقال حسين : قد ظننت ، أرى طاغيتهم قد هلك ، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر ، فقال : وأنا ما أظنّ غيره ، قال : فما تريد أن تصنع؟
قال : أجمع فتياني الساعة ، ثمّ أمشي إليه ، فإذا بلغت الباب احتبستهم عليه ، ثمّ دخلت عليه .
قال : فإنّي أخافه عليك إذا دخلت ، قال : لا آتيه إلّا وأنا على الامتناع قادر .