الوداك : ما أراك إلّا ستلقى اللَّه بإثم قتلهم أجمعين ، أ رايتَ لو أنّك رميتَ ذا فعقرت ذا ، ورميت آخر ، ووقفت موقفاً ، وكررت عليهم ، وحرّضت أصحابك ، وكثرت أصحابك ، وحمل عليك فكرهت أن تفرّ ، وفعل آخر من أصحابك كفعلك ، وآخر وآخر ، كان هذا وأصحابه يقتلون؟ أنتم شركاء كلّكم في دمائهم .
فقال له : يا أبا الوداك ، إنّك لتقنّطنا من رحمة اللَّه ، إن كنت وليّ حسابنا يوم القيامة فلا غفر اللَّه لكَ إن غفرتَ لنا! قال : هو ما أقول لك .
قال : وقاتلوهم حتّى انتصف ۱النهار أشدّ قتال خلقه اللَّه ، وأخذوا لا يقدرون على أن يأتوهم إلّا من وجه واحد؛ لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض . قال : فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالاً يقوّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم .
قال : فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرجل وهو يقوّض وينتهب ، فيقتلونه ويرمونه من قريب ويعقرونه ، فأمر بها عمر بن سعد عند ذلك فقال : أحرقوها بالنار ، ولا تدخلوا بيتاً ولا تقوّضوه ، فجاءوا بالنار ، فأخذوا يحرقون .
فقال حسين : دعوهم فليحرقوها ، فإنّهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها ، و كان ذلك كذلك ، وأخذوا لا يقاتلونهم إلّا من وجه واحدٍ .
قال : وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتّى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول : هنيئاً لك الجنّة! فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يُسمّى رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فضرب رأسها فَشَدَخَه ، فماتت مكانها ، قال : وحمل شمر بن ذي الجوشن حتّى طعن فسطاطَ الحسين برمحِهِ ، ونادى : عليَّ بالنار حتّى أحرق هذا البيت على أهله ، قال : فصاح النساء وخرجن من الفسطاط .
قال : وصاح به الحسين : يا بن ذي الجوشن ، أنتَ تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي ، حَرَقَك اللَّه بالنار!