285
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

الثانية: أن نعتبر مضمون هذه الأحاديث تعبيراً وعلامة على تقدّم العلوم البشريّة في تلك المرحلة من التاريخ، مثلما توصّل الإنسان المعاصر إلى طرق جديدة لكشف الجرائم ولم تكن موجودة سابقاً، مثل: بصمات الأصابع، وتخطيط الوجه، وتحليل الجينات «DNA»، وسائر أعضاء الجسد، ويمكن بتوسّط هذه الطرق الحصول على نتائج بدقّة ويسر أفضل وأدقّ من اليمين والبيّنة عند القضاء والحكم.

ويصل هذا التقدّم العلميّ في أيّام حكومة الإمام المهديّ علیه السلام إلى أعلى حدوده، وتتكشّف للبشر أساليب أدقّ وأسرع يستخدمها إمام العصر عليه‏السلام وأصحابه.

وبالنظر إلى ندرة حدوث الاحتمال الأوّل لداود عليه‏السلام، وعدم تحوّله إلى أمر عامّ وشامل، وتأكيد اللّه‏ لداود عليه‏السلام بأنّه وقومه لن يطيقوا ذلك، وطلب داود عليه‏السلام أن يُرفع هذا الحكم، بالنظر إلى كلّ ذلك يبدو الاحتمال الثاني أكثر طبيعيّةً وانسجاماً مع قضاء الإمام المهديّ علیه السلام ؛ لأنّ في الاحتمال المذكور ميزتين: إحداهما إقناعه للبشر والمخاطبين، والأُخرى قابليّته للتعميم والاتّساع ليشمل سائر القضاة والحكّام المنصوبين من قبل الإمام المهديّ علیه السلام .

فيُستند لميزة الإقناع بالأحاديث المنقولة في داود عليه‏السلام ؛ لأنّ اللّه‏ تعالى قال له بعد أن سأله القضاء على أساس علم الغيب: «إِنَّ النّاسَ لا يَحتَمِلونَ ذلِكَ» أو «إنَّكَ لا تُطِيقُ ذلِكَ».۱

ويُستند للميزة الثانية أيضاً بالأحاديث الواردة في هذا البحث۲ ؛ لأنّها تعني أنّ القضاة الذين نصّبهم الإمام المهديّ علیه السلام يقضون مثله أيضاً.

ولذلك يسعنا القول بأنّ معظم أقضية الإمام المهديّ علیه السلام تعتمد الأساليب التقنيّة الحديثة۳ الكاشفة عن الحقيقة، والقابلة لإدراك الجمهور لها. نعم لا يبدو بعيداً ومستهجناً وجود حالات للقضاء على أساس علم الغيب الإلهيّ بنحوٍ نادر وقليل.

1.. راجع: ص ۲۸۰ ـ ۲۸۱.

2.. راجع: ص ۲۸۲ .

3.. معظم أقضية أمير المؤنين عليه‏السلام العجيبة هي من هذا القبيل، راجع: الكافي: ج ۷ ص ۴۲۲ ح ۴ و ص ۴۲۳ ـ ۴۲۵ ح ۶ ـ ۹.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
284

فَيُجيبُ مِنهُم غُلامٌ، فَدَعاهُم داوُدُ عليه‏السلام فَقالَ: يا غُلامُ، مَا اسمُكَ؟ قالَ: ماتَ الدّينُ، فَقالَ لَهُ داوُدُ عليه‏السلام: مَن سَمّاكَ بِهذَا الاِسمِ؟ فَقالَ أُمّي.

فَانطَلَقَ داوُدُ عليه‏السلام إلى أُمِّهِ، فَقالَ لَها: يا أيَّتُهَا المَرأَةُ، مَا اسمُ ابنِكِ هذا؟ قالَت: ماتَ الدّينُ! فَقالَ لَها: ومَن سَمّاهُ بِهذا؟ قالَت: أبوهُ، قالَ: وكَيفَ كانَ ذاكَ؟ قالَت: إنَّ أباهُ خَرَجَ في سَفَرٍ لَهُ ومَعَهُ قَومٌ، وهذَا الصَّبِيُّ حَملٌ في بَطني، فَانصَرَفَ القَومُ ولَم يَنصَرِف زَوجي، فَسَأَلتُهُم عَنهُ فَقالوا: ماتَ، فَقُلتُ لَهُم: فَأَينَ ما تَرَكَ؟ قالوا: لَم يُخَلِّف شَيئاً، فَقُلتُ: هَل أوصاكُم بِوَصِيَّةٍ؟ قالوا: نَعَم، زَعَمَ أنَّكِ حُبلى، فَما وَلَدتِ مِن وَلَدٍ جارِيَةٍ أو غُلامٍ فَسَمّيهِ «ماتَ الدّينُ»، فَسَمَّيتُهُ.

قالَ داوُدُ عليه‏السلام: وتَعرِفينَ القَومَ الَّذينَ كانوا خَرَجوا مَعَ زَوجِكِ؟ قالَت: نَعَم، قالَ: فَأَحياءٌ هُم أم أمواتٌ؟ قالَت: بَل أحياءٌ، قالَ: فَانطَلِقي بِنا إلَيهِم. ثُمَّ مَضى مَعَها فَاستَخرَجَهُم مِن مَنازِلِهِم، فَحَكَمَ بَينَهُم بِهذا الحُكمِ بِعَينِهِ، وأثبَتَ عَلَيهِمُ المالَ وَالدَّمَ، وقالَ لِلمَرأَةِ: سَمِّي ابنَكِ هذا «عاشَ الدينُ».۱

وبالنظر إلى النماذج التي نُقلت عن قضاء وحكم داود عليه‏السلام يمكن القول بأنّ ما يعتبر قضاءً داوديّاً مختصّاً به ويميّزه عن غيره، هو قضاء مستند إلى علم الغيب الإلهيّ، وقضاء آخر اعتمد أساليب التحرّي عن العلم، كما أنّ القضاء على أساس البيّنة والقسم كان الوظيفة العامّة والمتداولة لداود عليه‏السلام ومن سبقه من الأنبياء ومن أتى بعده، وقد أُشير إليه في ذيل عددٍ من الروايات.

والآن يمكن القول بأنّ القضاء المهدويّ الذي شُبّه بقضاء داود عليه‏السلام يكون بإحدى هاتين الصورتين:

الأولى: أن يهب اللّه‏ المهديّ علیه السلام قدرات غيبيّة يستكشف بها حقائق ما وراء عالم المادّة، ويسمح له بالقضاء على أساس تلك الحقائق المستكشفة، على العكس من سائر الأنبياء والأئمّة حيث امتلكوا الكشف عن الواقع بإذن اللّه‏، ولكنّهم لم يُخوَّلوا لإعماله في هذا العالم.

1.. الكافي: ج ۷ ص ۳۷۱ ـ ۳۷۳ ح ۸.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11083
صفحه از 483
پرینت  ارسال به