283
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

تَقولونَ؟ أتَقولونَ: إنّي لا أعلَمُ ما صَنِعتُم بِأَبي هذَا الفَتى؟! إنّي إذا لَجاهِلٌ.

ثُمَّ قالَ: فَرِّقوهُم وغَطّوا رُؤسَهُم. فَفُرِّقَ بَينَهُم، وأُقيمَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم إلى أُسطُوانَةٍ مِن أساطينِ المَسجِدِ ورُؤسُهُم مُغَطّاةٌ بِثِيابِهِم، ثُمَّ دَعا بِعُبيدِ اللّه‏ِ بنِ أبي رافِعٍ كاتِبِهِ فَقالَ: هاتِ صَحيفَةً ودَواةً، وجَلَسَ أميرُ المُؤِنينَ صَلَواتُ اللّه‏ِ عَلَيهِ في مَجلِسِ القَضاءِ وجَلَسَ النّاسُ إلَيهِ، فَقالَ لَهُم: إذا أنا كَبَّرتُ فَكَبِّروا. ثُمَّ قالَ لِلنّاسِ: افرِجوا، ثُمَّ دَعا بِواحِدٍ مِنهُم فَأَجلَسَهُ بَينَ يَدَيهِ وكَشَفَ عَن وَجهِهِ.

ثُمَّ قالَ لِعُبَيدِ اللّه‏ِ بنِ أبي رافِعٍ: اكتُب إقرارَهُ وما يَقولُ. ثُمَّ أقبَلَ عَلَيهِ بِالسُّؤلِ، فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤِنينَ عليه‏السلام: في أيِّ يَومٍ خَرَجتُم مِن مَنازِلِكُم وأبو هذَا الفَتى مَعَكُم؟ فَقالَ الرَّجُلُ: في يَومِ كَذا وكَذا. قال: وفي أيِّ شَهرٍ؟ قالَ: في شَهرِ كَذا وكَذا، قالَ: في أيِّ سَنَةٍ؟ قالَ: في سَنَةِ كَذا وكَذا. قالَ: وإلى أينَ بَلَغتُم في سَفَرِكُم حَتّى ماتَ أبو هذَا الفَتى؟ قال: إلى مَوضِعِ كَذا وكَذا. قالَ: وفي مَنزِلِ مَن ماتَ؟ قالَ: في مَنزِلِ فُلانِ بنِ فُلانٍ. قالَ: وما كانَ مَرَضُهُ؟ قالَ: كَذا وكَذا. قالَ: وكَم يَوماً مَرِضَ؟ قالَ: كَذا وكَذا. قالَ: فَفي أيِّ يَومٍ ماتَ؟ ومَن غَسَّلَهُ؟ ومَن كَفَّنَهُ؟ وبِما كَفَّنتُموهُ؟ ومَن صَلّى عَلَيهِ؟ ومَن نَزَلَ قَبرَهُ؟

فَلَمّا سَأَلَهُ عَن جَميعِ ما يُريدُ كَبَّرَ أميرُ المُؤِنينَ عليه‏السلام وكَبَّرَ النّاسُ جَميعاً، فَارتابَ أُولئِكَ الباقونَ، ولَم يَشُكّوا أنَّ صاحِبَهُم قَد أقَرَّ عَلَيهِم وعَلى نَفسِهِ. فَأَمَرَ أن يُغَطّى رَأسُهُ ويُنطَلَقَ بِهِ إلَى السِّجنِ.

ثُمَّ دَعا بِآخَرَ فَأَجلَسَهُ بَينَ يَدَيهِ وكَشَفَ عَن وَجهِهِ، ثُمَّ قالَ: كَلاّ! زَعَمتُم أنّي لا أعلَمُ بِما صَنَعتُم؟! فَقالَ: يا أميرَ المُؤِنينَ، ما أنَا إلاّ واحدٌ مِنَ القَومِ، ولَقَد كُنتُ كارِها لِقَتلِهِ. فَأَقَرَّ.

ثُمَّ دَعا بِواحِدٍ بَعدَ واحِدٍ كلُُّهُم يُقِرُّ بِالقَتلِ وأخذِ المالِ، ثُمَّ رَدَّ الَّذي كانَ أمَرَ بِهِ إلَى السِّجنِ فَأَقَرَّ أيضاً، فَأَلزَمَهُمُ المالَ وَالدَّمَ.

فَقالَ شُريحٌ: يا أميرَ المُؤِنينَ، وكَيفَ حَكَمَ داوُدُ النَّبِيُ عليه‏السلام ؟

فَقالَ: إنَّ داوُدَ النَّبِيَ عليه‏السلام مَرَّ بِغِلمَةٍ يَلعَبونَ ويُنادونَ بَعضَهُم ب«يا ماتَ الدّينُ»،


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
282

اللّه‏ِ، قالَ: مَن قَتَلَكَ؟ قالَ: فُلانٌ. فَقالَت بَنو إسرائِيلَ: لَسَمِعناهُ يَقولُ يا نَبِيَّ اللّه‏ِ، فَنَحنُ نَقولُ كَما قالَ.

فَأَوحَى اللّه‏ُ تَعالى إلَيهِ: يا داوُدُ، إنَّ العِباَد لا يُطِيقونَ الحُكمَ بِما هُوَ عِندِيَ الحُكمُ، فَسَلِ المُدَّعِيَ البَيِّنَةَ، وأَضِفِ المُدَّعى عَلَيهِ إِلَى اسمي.۱

۲ ـ استخدام الأساليب التجربيّة والنفسيّة والعقلانيّة للتحرّي في سبيل الإقرار وكشف الحقيقة، كما ورد في الرواية التالية المرويّة عن الإمام الباقر عليه‏السلام، قال:

دَخَلَ أميرُ المُؤِنينَ عليه‏السلام المَسجِدَ فَاستَقبَلَهُ شابٌّ يَبكي وحَولَهُ قَومٌ يُسكِتونَهُ، فَقالَ عَلِيٌ عليه‏السلام: ما أبكاكَ؟ فَقالَ: يا أميرَ المُؤِنينَ، إنَّ شُرَيحاً قَضى عَلَيَّ بِقَضِيَّةٍ ما أدري ما هِيَ؟ إنَّ هؤلاءِ النَّفَرَ خَرَجوا بِأَبي مَعَهُم في السَّفَرِ، فَرَجَعوا ولَم يَرجِع أبي، فَسَأَلتُهُم عَنهُ، فَقالوا: ماتَ، فَسَأَلتُهُم عَن مالِهِ، فَقالوا: ما تَرَكَ مالاً، فَقَدَّمتُهُم إلى شُرَيحٍ فَاستَحلَفَهُم، وقَد عَلِمتُ يا أميرَ المُؤِنينَ إنَّ أبي خَرَجَ ومَعَهُ مالٌ كَثيرٌ. فَقالَ لَهُم أميرُ المُؤِنينَ عليه‏السلام: ارجِعوا، فَرَجَعوا وَالفَتى مَعَهُم إلى شُرَيحٍ.

فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤِنينَ عليه‏السلام: يا شُرَيحُ! كَيفَ قَضَيتَ بَينَ هؤلاءِ؟ فَقالَ: يا أميرَ المُؤِنينَ، ادَّعى هذَا الفَتى عَلى هؤاءِ النَّفَرِ أنَّهُم خَرَجوا في سَفَرٍ وأبوهُ مَعَهُم، فَرَجَعوا ولَم يَرجِع أبوهُ، فَسَأَلتُهُم عَنهُ، فَقالوا: ماتَ، فَسَأَلتُهُم عَن مالِهِ، فَقالوا: ما خَلَّفَ مالاً، فَقُلتُ لِلفَتى: هَل لَكَ بَيِّنَةٌ عَلى ما تَدَّعي؟ فَقالَ: لا، فَاستَحلَفتُهُم فَحَلَفوا.

فَقالَ أميرُ المُؤِنينَ عليه‏السلام: هَيهاتَ يا شُرَيحُ! هكَذا تَحكُمُ في مِثلِ هذا؟ فَقالَ:

يا أميرَ المُؤِنينَ فَكَيفَ؟

فَقالَ أميرُ المُؤِنينَ عليه‏السلام: وَاللّه‏ِ لَأَحكُمَنَّ فيهِم بِحُكمٍ ما حَكَمَ بِهِ خَلقٌ قَبلي إلاّ داوُدَ النَّبِيَ عليه‏السلام. يا قَنبَرُ! ادعُ لي شَرَطَةَ الخَميسِ.۲

۰.فَدَعاهُم، فَوَكَّلَ بِكُلَّ رَجُلٍ مِنهُم رَجُلاً مِنَ الشَّرَطَةِ، ثُمَّ نَظَرَ إلى وُجوهِهِم فَقالَ: ماذا

1.. قصص الأنبياء: ص ۲۰۰ ح ۲۵۷ ، بحار الأنوار: ج ۱۴ ص ۵ ح ۱۲ .

2.. قوّات عسكريّة خاصّة، وجماعة من الشجعان الخلّص من شيعة عليّ عليه‏السلام تعاهدوا معه على الجنّة.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11101
صفحه از 483
پرینت  ارسال به