201
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

كما أُجيز المسلمون في سورة الممتحنة أيضاً بأن يبرّوا ويقسطوا إلى المخالفين الذين لم يقاتلوهم ولم يظلموهم:

«لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»۱.۲

وسيرة أمير المؤنين عليه‏السلام أيضاً تؤّد طريقة التعامل هذه، إذ قال في مقطع من عهده لمالك الأشتر في الترحيب بالصلح:

۰.ولا تَدفَعَنَّ صُلحاً دَعاكَ إلَيهِ عَدُوُّكَ وَللّه‏ِِ فيهِ رِضَىً؛ فَإِنَّ فِي الصُّلحِ دَعَةً لِجُنودِكَ، وراحَةً مِن هُمومِكَ، وَأمنا لِبِلادِكَ.۳

ثانيا: الأدلّة القرآنيّة الخاصّة

۱. بقاء العداوة بين اليهود والنصارى إلى يوم القيامة

يبدو من بعض الآيات القرآنية أنّ عدداً من اليهود والمسيحيّين سيظلّون على دينهم، فنقرأ عن المسيحيّين قوله تعالى:

«وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا

1.. الممتحنة: ۸.

2.. يعتبر بعض المفسّرين من أهل السنّة ـ مثل قتادة وابن عبّاس ـ هذه الآيةَ منسوخة بالآية ۵ من سورة التوبةحسب قول الطبرسيّ، ولكن لم يصلنا شيء بهذا الصدد عن طريق أهل البيت عليهم‏السلام، كما أنّه لا مانع من الإحسان إلى الكفّار حتّى الذين في دار الحرب، بناء على إجماع العلماء والمفسّرين، وما مُنع هو إعطاؤم الزكاة وزكاة الفطرة راجع: التبيان في تفسير القرآن: ج ۳ ص ۵۸۳ .

3.. نهج البلاغة: الكتاب ۵۳.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
200

ويتّضح من هذا الأُسلوب أنّ طريقة القرآن قائمّة على أصل السلم في التعامل مع المخالفين.

واعتقد بعض المفسّرين مثل ربيع وعكرمة وقتادة وابن زيد وحسن أنّ هذه الآية نُسخت بالآية الخامسة من سورة التوبة۱ التي ورد الأمر العامّ فيها بأخذ المشركين والضغط عليهم:

«فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».۲

ولكن لو روجعت الآية السابقة لها لاحتُمل عدم حدوث النسخ، وأنّ الصلح مع المخالفين وحتّى المشركين هو ضمن قوانين عمل المسلمين، وينبغي الالتزام بمعاهدات السلام في هذا المجال:

«إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ».۳

واللاّفت للنظر أنّ هذه الآية ـ وفقاً لقول مقاتل بن سليمان البلخيّ ـ نزلت بشأن أُولئك التسعة أشخاص الذين أُشير إليهم في الآية محلّ البحث.۴

وفي الوقت نفسه حذّر القرآن الكريم مباشرة من أنّه لو احتملت فتنة أو خدعة وما شاكلها من قبل شخص أو جماعة، فعلى المسلمين أن يحذروا ولا ينخدعوا بما يقترحونه من سلم.۵

1.. التبيان في تفسير القرآن: ج ۳ ص ۲۸۷، ورأى العامليّ ذلك في الوجيز في تفسير القرآن العزيز : ج ۱ ص ۳۳۲.

2.. التوبة: ۵.

3.. التوبة: ۴.

4.. تفسير مقاتل بن سليمان: ج ۱ ص ۳۹۵.

5.. قال اللّه‏ تعالى: «سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْيَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً» النساء: ۹۱.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10769
صفحه از 483
پرینت  ارسال به