والإمام المهديّ عليهالسلام في المكان الثاني عشر.
جواب الإشكال الأوّل: البداء يعني التغيير في القضاء والقدر، وهما لايحصلان في علم اللّه الذي هو ذاته بعينها، بل يحدث في لوح التقدير الذي يُسمّى أحياناً بالعلم الفعليّ أو بالعلم المخلوق، فمثلاً يثبت اللّه في لوح التقدير بعض المقدّرات على أساس وضع الأشخاص في ليلة القدر، ولكن يتغيّر تقدير بعضهم عندما يغيّرون أوضاعهم، وهذا التغيير في التقدير المصرّح به في عدّة آيات يسمّى بالبداء ؛ وبناء عليه لا يتعارض البداء مع العلم الإلهيّ، فاللّه سبحانه عالم منذ الأزل بالتقديرين: الأوّل والثاني.
سؤل: إذا لم يكن الجهل مصدراً للبداء، فما هو مصدره إذن؟ ولماذا لم يثبت اللّه التقدير الثاني منذ البداية؟
الجواب: للبداء حِكَم كثيرة تبرّره:
منها: أنّه دليل على القدرة والحرّية الإلهيّة المطلقة، ويثبت أنّه حتّى التقدير الإلهيّ لا يقيّد يد اللّه، خلافاً لعقيدة اليهود حيث قالوا: «يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ»۱ ؛ لأنّه قد فرغ من القضاء والقدر، في حين يقول البداء: «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كيْفَ يَشَاءُ»۲ حتّى بعد القضاء والقدر.
وعلى هذا الأساس، يختصّ العلم الذي لا يقبل البداء والتغيير باللّه تعالى، وأمّا علم الأنبياء والأولياء بأحداث المستقبل فمعرّض للبداء ؛ لأنّ منشأه لوح التقدير الذي يحتمل التغيير فيه، إلاّ أن يخبر اللّه بعدم التغيير في تقدير معيّن.
ومنها: أنّ الاعتقاد بالبداء يمهّد للسعي وراء تغيير المصير، في حين أنّ نفيه يُقصي الأمل والدوافع في تشييد مستقبل أفضل، وبناء عليه لا تتعارض عقيدة البداء مع العلم الإلهيّ الأزليّ، ليس هذا فحسب، بل هي قائمّة على ركيزة وطيدة من العلم والحكمة.۳