55
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الرابع

حالة السبات واللاّمبالاة بالمستقبل.

الرابعة: اعتبرت بعض الأحاديث انتظار الفرج نوعاً من الفرج، مثل: «انتِظارُ الفَرَجِ مِنَ الفَرَجِ»۱، أو «انتِظارُ الفَرَجِ مِن أعظَمِ الفَرَجِ»۲، وهي في صدد بيان أمرين:

۱ ـ إنّ الإحساس بالأمل تجاه مستقبل أفضل، هو نوع من الانفراج والسعة يُطلق الروح الإنسانية من نير الكآبة واليأس، ويهبها نشاطاً واطمئناناً.

والهدف من انتظار الفرج هو التحرّر من المآزق الروحيّة، والأمل بمستقبل أفضل، ممّا يوفّر بعضاً من الهدوء والاطمئنان النفسيّ، ولهذا يعتبر نوعاً من الفرج، بل يحظى بعنوان «من أعظم الفرج» أيضاً.

۲ ـ إنّ انتظار الفرج المسؤل يوفّر بعضاً من أهداف وقيم الانتظار، فالهدف من انتظار الفرج هو توفير الأرضيّة اللاّزمة من أجل تطوّر وسموّ الفرد والمجتمع ليبلغوا كمالهم الوجوديّ وسعادتهم الأُخروية. والهدف النهائيّ من الظهور ـ وهو بناء المجتمع المهدويّ ـ يحصل فقط بعد ظهور الإمام المهديّ عليه‏السلام، ولكنّ الأهداف الجزئيّة للظهور ـ وهي سموّ الأشخاص وفوزهم الأُخرويّ ـ يمكن الوصول إليها بحالة الانتظار المسؤل للفرج، بمعنى تفتّح إنسانيّة الإنسان وفقاً للمعايير الإلهيّة، فالإنسان يتّكئ على جوهره الفطريّ، ويستعين بالعقل والنقل ليتربّى إنسانيّاً بما يليق بالعصر المهدويّ، ويصل إلى مرتبة من المعنويّة، فيتأهّل ليكون جنديّاً من جنود الإمام المهديّ عليه‏السلام وينال الشهادة في ركابه.

وإذا تحقّق انتظار الفرج المسؤل بهذه الخصائص، فقد تحقّق أيضاً الكمال الشخصيّ للمنتظِر، وهذا الانتظار يحقّق هدف الفرج، بل يُحسب أعلى من الفرج ؛ لأنّ المنتظِر وصل إلى هذه الدرجة من التطوّر والسموّ استناداً إلى ما لديه من علوم بدون حضور المعصوم عليه‏السلام، ممّا يعكس وفرة ما بذله من جهود.

1.. تراجع: ص ۷۱ من الفرج انتظار الفرج.

2.. تراجع: ص ۷۲ من أعظم الفرج.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الرابع
54

المهدويّة، ولهذا ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار توفّر الأرضيّات والاستعدادات الاجتماعيّة والتشكيلاتيّة والثقافيّة.

وانتظار الفرج المسؤل يعني الإيمان بأهداف المجتمع المهدويّ، فالمنتظر المسؤل يرى من واجبه السعي ـ في حدود قدراته وعمله ـ لإقامة مجتمع مطابق للمعايير المهدويّة.

ومن مظاهر الانتظار المسؤل: كمال الإنسان والمجتمع، والسعي في مسيرة إعادة البناء المجتمعية على أساس القسط والعدل، ومحاربة الظلم والجور.

ومع كلّ هذا يرى المنتظر المسؤل أنّ العدالة العالميّة الشاملة لا تتحقّق إلاّ في ظلال راية الدولة المهدويّة ؛ ولهذا يعتقد أنّ وظيفته هي إعداد أرضيّات الدخول إلى تلك المرحلة.

وقد أشار الإمام الصادق عليه‏السلام إلى هذا الانتظار المسؤل قائلاً:

لِيُعِدَّنَّ أحَدُكم لِخُروجِ القائِمِ وَ لَو سَهماً.۱

وعدّد الإمام زين العابدين فضائل المنتظرين، وأشار إلى مسؤليّتهم بقوله:

أُولئِكَ المُخلِصونَ حَقّاً وَشيعَتُنا صِدقاً، وَالدُّعاةُ إلى دينِ اللّه‏ِ عز و جل سِرّاً وَجَهراً.۲

وجليّ أنّ غيبة الإمام المهديّ عليه‏السلام لن تُقصي وظائف المسلمين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة الظلم والسعي في سبيل نشر العدالة۳ ؛ ولهذا نقول بأنّ الأحاديث المتعلّقة بانتظار فرج إمام العصر عليه‏السلام لها ركن ثالث أهمّ ـ إضافة إلى الركنين السابقين: رفض الواقع المعاش، والأمل بمستقبل أفضل ـ وهو تحمّل المسؤلية في مرحلة الانتظار، والإعداد الروحيّ، والخبرات العلميّة والمهارتيّة، وتوفير الأرضيّة لظهور الإمام المهديّ عليه‏السلام ومرحلة ما بعد ظهوره.

وهذا الركن الثالث ـ وهو تحمّل المسؤلية ـ يمنح الانتظار هويّة خاصّة، ويميّزه عن

1.. راجع: ص ۸۰ ح ۹۴۲.

2.. راجع: ص ۷۶ ح ۹۳۵.

3.. راجع: ص ۱۲۹ (دراسة في أهمّ وظيفة لشيعة أهل البيت عليهم‏السلام خلال عصر الغيبة) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10803
صفحه از 416
پرینت  ارسال به