35
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الرابع

فشكرتهما وأسرعت إلى أعلى الجبل. وكنت متعباً جدّاً فقد ذهبت مرّة مع الزوّار، والمرّة الثانية وصلت إلى منتصف الجبل ثمّ رجعت، وهذه المرّة انطلقت بقلق وبأقصى قوّتي إلى الأعلى.

وعندما وصلت رأيت السيّدة ممدّة على الأرض وقد اسودّ وجهها، في حالة مزرية جدّاً. فسكبت أوّلاً قنينة ماء بارد على رأسها ووجها وجسمها، وطلبت الغوث من صاحب الزمان عليه‏السلام، ففتحت عينيها معاً وقالت: من أنت؟ قلت: يا سيّدة زهراء، أنا حسينيّ.

قالت: أرجو المعذرة يا سيّد، فقد أوقعت نفسي وأوقعتك معي في مشكلة.

فجلست وسكبت الماء في يدها وقلت: اغسلي وجهك. وأعطيتها بعضاً من محلول السكّر والملح وشربته، وبلّلت العباءة والخمار بالماء البارد ونهضت، وعثرت على عصا وأعطيتها إيّاها، فاتّكأت عليها، وأمسكت العصا من وسطها، وبدأت بالنزول خطوة خطوة، وأنا أنزل القهقرى قدماً قدماً أيضاً.

نزلنا ما يقرب من مئتي متر، وأُغمي عليها مجدّداً، فظلّلت رأسها بورق المقوّى (الكَرتون)، ورششت الماء على رأسها ووجهها، وناديتها فعادت إلى وعيها ثانية، وأعطيتها قليلاً من المشروبات الغازية، ثمّ تحركنا نحو الأسفل، وقطعنا مسافة لعلّها مئتا متر، فسحبت نفسها مرّة أُخرى إلى جانب صخرة، وأُغمي عليها.

ما عاد في وسعي تحمّل المزيد، وجّهت وجهي إلى الكعبة وناديت صاحب الزمان عليه‏السلام بآخر نفس وبأعلى صوتي: ياصاحب الزمان أدركني! يا أبا صالح المهديّ أدركني! يا أبا القاسم أدركني!

اقتربت الساعة من الحادية عشرة، وغدا الجوّ شديد الحرارة، وانقطعت المارّة بالتدريج، ولم يبق سوى بعض الهنود والباكستانيّين والأفغانيّين ينحدرون من الأعلى إلى الأسفل، وبإعداد قليلة جدّاً. وأنا كنت أنظر إلى السيّدة زهراء وأبكي.

وفي برهة من الزمن نزل رجل بملابس وشال هنديّين، وبوجه أحمر وأبيض خلافاً للهنود ووجوههم الحنطيّة الداكنة، وعندما وصل إليّ، وضع يده على كتفي وقال:


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الرابع
34

الأسفل، ونزلت أنا خلف الجميع.

اجتمع الكلّ بجانب السيّارة وعزمنا على السفر إلى عرفات، فقرأت أسماء الزوّار وفقاً لقائمة التسجيل، وحضر الجميع وصعدوا، ثمّ ناديت: أيّها السيّدات والسادة، هل بقي أحد ممّن يجلس بجواركم لم يصعد بعد؟ فأجابت سيّدة من آخر السيّارة: يا سيّد حسينيّ، السيّدة زهراء كانت تجلس بجانبي ولم تقرأ اسمها، وهي لم تصعد بعد!

السيّدة زهراء بنت المرحوم السيّد أشرف فقيهيّ البافقيّ، وزوجة الحاج كاظم العامريّ، وبنت عمّ السادة سليمانيّ البافقيّ، وأُمّ زوجة إمام جمعة بافق، ومن السادة الأجلاّء جدّاً.

وسبق أن قلت للسيّدات ألاّ يخبرن السيّدة زهراء؛ لأنّها مسنّة ومريضة، ولو علمت فستأتي، وسترهق نفسها والآخرين، وظننت أنهنّ لم يخبرنها ولم تأتِ، ولكن حينما قالت تلك السيّدة أنّها جلست إلى جانبي علمت لتوّي أنّها كانت معنا.

ففتّشت بعض النواحي المحيطة بنا، وناديت عليها بمكبّر الصوت، حتّى قطعت مسافة إلى أعلى الجبل وناديتها، ولكن دون طائل. وبدأت حرارة الجوّ تزداد تدرجيّاً، وكان علينا الذهاب إلى عرفات ومسجد النَّمِرَة وجبل الرحمة ومسجد المشعر وغار ثور، فانطلق الزوّار مع السيّد رضويّ، وبقيت لأعثر على السيّدة زهراء.

أذبت بعضاً من الملح والسكّر في قنينة ماء، وأخذت عدداً من قناني المياه وقنينة من المشروبات الغازية، واتّجهت نحو الغار، وبينما صعدت مسافة من الجبل صادفت سيّدتين تنزلان وقالتا: هل تعرف أحداً من قافلة يزد؟

قلت: أنا من قافلة يزد، ماذا تأمران؟

قالتا: هنالك سيّدة أُغمي عليها وهي في أعلى الجبل، وكُتب على عباءتها أنّها من قافلة يزد، ولم نستطع تقديم أيّ خدمة لها؛ لأنّ طائرتنا ستقلع في الثانية عشرة ليلاً إلى طهران، وإذا لم تصل إلى هذه السيّدة خلال نصف ساعة فستموت.

تعداد بازدید : 11340
صفحه از 416
پرینت  ارسال به