الفوقانيّة من الصحن المقدّس، وكان في شدّة الفقر ذاتها، وتوفّي في النجف الأشرف بعد مضيّ خمس سنوات من يوم خروجه من قريته.
ولم يكن يعرف حال فقره وفاقته إلاّ القليل، وكان أحياناً يراودني ويستعير منّي بعض كتب الأدعية، حتّى كأنّه ما ترك شيئاً من الأذكار المرويّة والأدعية المأثورة لسعة الرزق، ولكن لشدّة ضيق معاشه كان كثيراً ما لا يتمكّن لقوته إلاّ على تميرات.
واشتغل بعض أيّامه على كتابة العريضة لصاحب الزمان عليهالسلام، وكان يكتب حاجته ويخرج كلّ يوم قبل طلوع الشمس ويرمي بها في الماء (بحر النجف)، وينوي إيداعها أحد نوّاب إمام العصر عليهالسلام، وفعل ذلك ثمانية أو تسعة وثلاثين يوماً.
قال السيّد: عند الرجوع (في اليوم الأخير) كنت في غاية الملالة وضيق الخلق أمشي مطرقاً رأسي، فالتفتّ فإذا أنا برجل عربيّ لحق بي من ورائي، فسلّم عليّ فرددت عليه بأقلّ ما يُردّ، وما التفتّ إليه لضيق خلقي، فسايرني مقداراً ثمّ قال بلهجة أهل قريتي: سيّد محمّد، ما حاجتك؟ يمضي عليك ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً تخرج قبل طلوع الشمس إلى المكان الفلاني وترمي العريضة في الماء، تظنّ أنّ إمامك ليس مطّلعاً على حاجتك؟
قال: فتعجّبت من ذلك لأنّني لم أُطلع أحداً على شغلي ولا أحد رآني، ولا أحد من أهل جبل عامل وقريتنا كان في النجف ولم أعرفه، خصوصاً أنّه لبس ثياب أهل العراق الخاصّة وليس ذلك مرسوماً في لبنان، فخطر في خاطري وصولي إلى المطلب الأقصى وفوزي بالنعمة العظمى وأنّه الحجّة على البرايا إمام العصر عليهالسلام.
وكنت سمعت قديماً أنّ يده المباركة في النعومة بحيث لا يبلغها يد أحد من الناس، فقلت في نفسي: أُصافحه، فإن كانت يده كما سمعت أصنع ما يحقّ بحضرته.
فمددت يدي وأنا على حالي لمصافحته، فمدّ يده المباركة فصافحته، فإذا يده كما سمعت، فتيقّنت بالفوز والفلاح، فرفعت رأسي ووجّهت له وجهي وأردت تقبيل يده المباركة، فلم أرَ أحداً.۱