331
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الرابع

الفوقانيّة من الصحن المقدّس، وكان في شدّة الفقر ذاتها، وتوفّي في النجف الأشرف بعد مضيّ خمس سنوات من يوم خروجه من قريته.

ولم يكن يعرف حال فقره وفاقته إلاّ القليل، وكان أحياناً يراودني ويستعير منّي بعض كتب الأدعية، حتّى كأنّه ما ترك شيئاً من الأذكار المرويّة والأدعية المأثورة لسعة الرزق، ولكن لشدّة ضيق معاشه كان كثيراً ما لا يتمكّن لقوته إلاّ على تميرات.

واشتغل بعض أيّامه على كتابة العريضة لصاحب الزمان عليه‏السلام، وكان يكتب حاجته ويخرج كلّ يوم قبل طلوع الشمس ويرمي بها في الماء (بحر النجف)، وينوي إيداعها أحد نوّاب إمام العصر عليه‏السلام، وفعل ذلك ثمانية أو تسعة وثلاثين يوماً.

قال السيّد: عند الرجوع (في اليوم الأخير) كنت في غاية الملالة وضيق الخلق أمشي مطرقاً رأسي، فالتفتّ فإذا أنا برجل عربيّ لحق بي من ورائي، فسلّم عليّ فرددت عليه بأقلّ ما يُردّ، وما التفتّ إليه لضيق خلقي، فسايرني مقداراً ثمّ قال بلهجة أهل قريتي: سيّد محمّد، ما حاجتك؟ يمضي عليك ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً تخرج قبل طلوع الشمس إلى المكان الفلاني وترمي العريضة في الماء، تظنّ أنّ إمامك ليس مطّلعاً على حاجتك؟

قال: فتعجّبت من ذلك لأنّني لم أُطلع أحداً على شغلي ولا أحد رآني، ولا أحد من أهل جبل عامل وقريتنا كان في النجف ولم أعرفه، خصوصاً أنّه لبس ثياب أهل العراق الخاصّة وليس ذلك مرسوماً في لبنان، فخطر في خاطري وصولي إلى المطلب الأقصى وفوزي بالنعمة العظمى وأنّه الحجّة على البرايا إمام العصر عليه‏السلام.

وكنت سمعت قديماً أنّ يده المباركة في النعومة بحيث لا يبلغها يد أحد من الناس، فقلت في نفسي: أُصافحه، فإن كانت يده كما سمعت أصنع ما يحقّ بحضرته.

فمددت يدي وأنا على حالي لمصافحته، فمدّ يده المباركة فصافحته، فإذا يده كما سمعت، فتيقّنت بالفوز والفلاح، فرفعت رأسي ووجّهت له وجهي وأردت تقبيل يده المباركة، فلم أرَ أحداً.۱

1.. جنّة المأوى: ص ۲۴۸ الحكاية ۲۰، النجم الثاقب: ص ۲۷۳ الحكاية ۷.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الرابع
330

ولذلك لا يكون بناء مكان أو حفر بئر لهذا الغرض وتقديسه منصوصاً عليه، وبما أنّه لا يمنع الشرع من ذلك، فبالإمكان اعتباره جائزاً لتسهيل الأمر، ولكن لا قدسيّة خاصّة له، وهو من هذه الجهة كسائر الآبار والمياه، سواء كان حفر البئر في مكان عاديّ أو مقدّس.

نعم، لا حرمة في الحكم الأوّلي لحفر بئر وتخصيص مكان بهذا الغرض، ولكن يمكن تغيّر الحكم ؛ لعلاقته بالأوضاع الزمانيّة والمكانيّة الخاصّة، ولانطباق العناوين الثانويّة عليها.

ونشير في النهاية إلى نموذجين من التوسّل بالإمام الحجّة عليه‏السلام بواسطة العريضة، نقلهما العالم الجليل المحدّث النوريّ، ونموذج آخر نقله آية اللّه‏ الشيخ لطف اللّه‏ الصافيّ:

۱. عريضة السيّد محمّد العامليّ

قال المحدّث النوري قدس‏سره:

عاش العابد الصالح التقيّ السيّد محمّد العامليّ ابن السيّد عبّاس۱ في قرية جبشيت۲ في منطقة جبل عامل بلبنان. وكان لكثرة تعدّي الجور عليه قد خرج من وطنه۳، ولم يكن له زاد، ولكن كان متعفّفاً لا يسأل أحداً.

وساح من مكان إلى مكان برهة من دهره، ورأى في أيّام سياحته في نومه ويقظته عجائب كثيرة، إلى أن انتهى أمره إلى النجف الأشرف، وسكن في إحدى الحجرات

1.. قال المحدّث النوريّ: والده السيّد عبّاس حيّ إلى زمن التأليف، وهو من بني أعمام العالم الحبر الجليل والسيّد المؤّد النبيل وحيد عصره وناموس دهره السيّد صدر الدين العامليّ المتوطّن في إصفهان، وتلميذ العلاّمة الطباطبائيّ بحر العلوم» .

2.. هي قرية من قرى جبل عامل. وفي المصدر: «جشيث»، وفي النجم الثاقب: «جب شيث» .

3.. ورد في النجم الثاقب: «خرج من وطنه لأنّهم أرادوا أن يدخلوه في سلك العسكريّة».

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10736
صفحه از 416
پرینت  ارسال به