وفي الحقيقة إنّ مثل هذه القراءة الضالّة للأحاديث المذكورة هي على مستوى عالٍ من الوهن وانعدام الأُسس، بحيث يعدّ توضيحها كافياً لنقدها وردّها، كما قال الإمام الخمينيّ رحمهالله في مواصلة خطابه للمرجعيّات الإسلاميّة مشيراً إلى النظريّتين الآنفتين:
وما تزال الحوزات العلميّة مُشابَةً بكلتا الرؤتين، وينبغي الحذر من سريان فكرة فصل الدين عن السياسة من بين طبقات فكر المتحجّرين إلى الطلبة الشبّان....
بالأمس كان الحمقى المتظاهرون بالقدسيّة يقولون: السياسة منفصلة عن الدين، والجهاد ضدّ الشاه حرام، واليوم۱ يقولون: أصبح مسؤولو النظام شيوعيّين!
كانوا حتّى الأمس يرون بيع الخمور والفساد والفحشاء والفسق وحكومة الظالمين أمراً نافعاً يعبّد الطريق لظهور إمام العصر أرواحنا فداه، واليوم حينما يحدث أمر ما مخالف للشرع في زاوية من الزوايا ـ وهو ممّا لا يرتضيه مسؤولو الدولة في حالٍ من الأحوال ـ تراهم يصرخون: وا إسلاماه!
في الأمس حرّم الحجّتيةُ الجهاد، وبذلوا كلّ جهودهم ـ في خضّم الصراع والجهاد ـ في سبيل كسر اعتصام أنوار الزينة الذي اُقيم في النصف من شعبان؛ نُصرةً للشاة، واليوم أصبحوا أكثر ثوريّة من الثوّار!
وولايتيّةُ الأمس أراقوا بسكوتهم وتحجّرهم ماء وجه الإسلام والمسلمين، وقصموا بعملهم ظهر النبيّ وأهل بيت العصمة والطهارة عليهمالسلام، ولم يكن عنوان الولاية لهم سوى وسيلة للتكسّب والعيش، واليوم جعلوا أنفسهم مؤّسي الولاية وورثتها، ويتحسّرون على ولاية عهد الشاه.۲
وبقليل من التأمّل في الأحاديث المتنبّئة بانتشار الظلم في العالم قبل ظهور الإمام المهديّ عليهالسلام، يتّضح أنّها لا تعني نسخ آيات الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعطيل الأحكام والحدود الإلهيّة في عصر الغيبة، وإنّما المراد هو التفشّي النسبي للظلم