87
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث

توزّعت التوقيعات المذكورة موضوعيّاً بما يتناسب والأبواب الفقهيّة المختلفة في المصادر الحديثيّة المتأخّرة، مثل: وسائل الشيعة، وجامع أحاديث الشيعة، وغيرهما، واهتمّت بها الدراسات الاستدلاليّة والفقهيّة واستندت إلى بعضها.

وكما شهدنا بعض الروايات الضعيفة في سائر الأحاديث الفقهيّة فأعرض قسم من الفقهاء عن العمل بها أو رأوا ضعفها السنديّ يتنافى مع عمل الفقهاء القدماء، كذلك لا ينسجم جزء قليل من الأسئلة والأجوبة في التوقيعات الفقهيّة مع مفاد أحاديث أُخرى، وترك عدد من الفقهاء الاستناد إليها أو اعتقد أنّها بحاجة إلى جمع دلاليّ.

هذا، مع الالتفات إلى انعدام رأي موحّد بين الفقهاء حيال الموضوع كما سوف نرى، وإلى عدم رؤتهم الضعف السنديّ مانعاً من الاستناد إلى الأحاديث غير الإلزاميّة في قسم الأحكام غير الواجبة، اتّكاءً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن.

ومن جانب آخر، فمفاد كثير من الأجوبة منسجم مع الأحاديث الأُخرى أو مناظر لها ؛ ممّا دفع جميع الفقهاء ليعتقدوا أن لاحاجة بتكرار الاستناد إلى الأجوبة المتشابهة للتوقيعات في جميع الحالات.

وعلى كلّ حال، فموارد الاستناد إلى التوقيعات الفقهيّة ليست على حدٍّ سواء، وهي تتعلّق بمنهج عمل الفقهاء.

وقد وردت التوقيعات محلّ البحث بأسنادها في المصادر القديمة وأهمّها الكتب المعتبرة، مثل: تهذيب الأحكام، والغيبة للشيخ الطوسي، وكتاب من لايحضره الفقيه، وكمال الدين للشيخ الصدوق.

ونقل بعضها أيضاً الطبرسيّ في كتاب الاحتجاج من دون سند ؛ لأنّه ألّف كتابه بعد قرن واحد تقريباً من الشيخ الطوسيّ، واعتقد بانعقاد الإجماع على أغلبها، أو موافقتها لمنطق العقل، أو لشهرتها في المصادر التاريخيّة وكتب الموافقين والمخالفين.۱

1.. الاحتجاج: ج ۱ ص ۱۴.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
86

العسكريّ عليه‏السلام.۱

وتفاقم الأوضاع الباعثة على العمل بالتقيّة في ذلك العصر، يعدّ استمراراً للحالة السياسيّة والدينيّة المعقّدة المكبّلة التي عاشتها المرحلة الزمنيّة للإمامين الهادي والعسكريّ عليهماالسلام، وقد صوّر الشيخ الطوسيّ تلك الأوضاع فقال:

وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمّد عليه‏السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال، أنفذوا إلى أبي عَمرو [عثمان بن سعيد الذي أصبح السفير الأوّل]، فيجعله في جراب السمن وزقاقه، ويحمله إلى أبي محمّد عليه‏السلام تقيّة وخوفاً.۲

هذه الصورة وما ناظرها من الشواهد يعكس بوضوح صرامة القيود المواجهة للأسئلة والأجوبة الصادرة عن إمام العصر عليه‏السلام وفي ضمنها المسائل الفقهيّة.

ولذا لا يُنتظر بالطبع أن تكون الأجوبة صريحة شفّافة تطابق الواقع، ولكن هذا لم يمنع محدّثي الشيعة وفقهاءهم من الاهتمام بنقل التوقيعات الفقهيّة والاستناد إليها، ففي غير عدّة موارد رأى بعض الفقهاء عدم إمكانيّة الاعتماد عليها، ينتظم ما تبقّى منها في صفوف الأدلّة الفقهيّة كما سوف يأتي.

في حين أنّ قسماً من الأحاديث الأُخرى تواجه الإشكاليّة ذاتها وفقاً لرأي الفقهاء الذين لايمكنهم العمل بجميع الروايات في حالة انعدام اتّساقها مع سائر النصوص أو الأُصول.

۳. اعتبار الأسناد والمحتوى

تكشف دراسة أسناد التوقيعات الفقهيّة ومحتواها من حيث الاعتبار والاستناد الفقهيّ عن وجود تباين إجماليّ بين مجموع هذه التوقيعات وسائر الأحاديث الفقهيّة التي يستندون إليها، ولكنّه ليس تبايناً لافتاً للنظر وبخاصّة من ناحية اهتمام الفقهاء.

1.. راجع: ص ۲۶۷ ح ۷۹۳ الكليني .

2.. راجع : ج ۲ ص ۳۵۸ ح ۶۰۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 12375
صفحه از 458
پرینت  ارسال به