وسنشير في هذه الدراسة أوّلاً إلى بعض الخصائص الكلّية لهذا القسم من التوقيعات، ثمّ نتناولها باستقصاء وتقييم مفصّلين في مضانّها الفقهيّة، مع شرح لمعناها وكيف استفاد منها الفقهاء الشيعة في استنباط الأحكام الشرعيّة لمختلف أبواب الفقه ؛ بهدف الاطّلاع على مدى الاعتبار التفصيليّ لكلّ واحد منها، وإزاحة ما يكتنفها من غموض.
الخصائص الكلّية للتوقيعات الفقهيّة
يتطلّب شرح التوقيعات الفقهيّة ـ بصفتها قسماً ممّا صدر عن الإمام المهديّ عليهالسلام ـ وبيان خصائصها، بحثاً مستقلاًّ مستفيضاً ؛ نظراً لعلاقتها ببعض القضايا التاريخيّة والكلاميّة والاعتقاديّة للشيعة، أمّا العرض الإجمالي لجزء من الخصائص الكلّية لهذا القسم، فيمكنه أن يبيّن قيمتها ومنزلتها إلى حدّ ما. والبحث الآتي يتطرّق إلى خمسة من تلك الخصائص، هي:
۱. العدد والتنوّع
مجموع ما بقي في متناول الأيدي الآن من أسئلة وأجوبة إمام العصر عليهالسلام في مواضيع الأحكام الشرعيّة، هو ۷۵ مورداً، أغلبها في الأحكام الشرعيّة المختلفة، ماعدا بعض الأسئلة والأجوبة المكرّرة.
ولايعدّ هذا العدد المتبقّي من الأسئلة مع توقيعات جلّها في مجالات أُخرى ـ كالمسائل الاعتقادية، وطلبات الأدعية، وتقديم الهدايا والوجوه الشرعية ـ رقماً مرتفعاً إذا ما قورن بأيّام الإمامين الباقر والصادق، ولاسيّما الأخير، ولكن مع هذا فإنّه يستحقّ الاهتمام إذا ما أُخِذت بعين الاعتبار القيود الصارمة المفروضة على الاتّصالات، والاختلافات الشديدة، وحالات الانحرافات والضلال التي شهدتها إمامة وغيبة الإمام المهديّ عليهالسلام.
وينبغي اعتبار هذه الحقبة الزمنيّة المحيقة بالمجتمع الشيعيّ من الأوقات العصيبة المشحونة بالتقلّبات ؛ بسبب ما فُرض على المجتمع المذكورـ وبخاصّة الوكلاء الأربعة ـ