425
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث

استيقظنا صباحاً والجوّ غاية في البرودة، فقد هطلت ثلوج أُخرى إضافة إلى ثلج البارحة، غير أنّ الغيوم غادرت السماء، فأدّينا الصلاة، ورأينا الجوّ هادئاً، وغايتنا قريبة، والليلة المقبلة ليلة جمعة تناسب الزيارة والعبادة، وعند خروجنا قصدنا إدراك الزيارة في هذه الليلة، وتفصلنا عن المكان الذي نريده قرية أُخرى تتعلّق ببعض أرحام الحقير، وإذا لم نتمكّن من الوصول إلى غايتنا، فبإمكاننا التوقّف في تلك القرية لصلة الرحم، ولهذا كلّه عزمنا على مواصلة السير والوصول إلى مبتغانا.
ولما اطّلع صاحب الدار على ما صمّمنا عليه، بادرنا بمنع شديد وقال: إنّها من مظان الهلكة، ولايجوز ذلك. فأجبناه بأنّ المسافة إلى قرية أرحامنا ليست بعيدة، وليست أكثر من ممرّ جبليّ وحيد، والجوّ في ذلك الجانب ليس مثل هذا الجانب، ولا هلاك في مسافة فرسخ واحد.
والحاصل، تمادى في إصراره على المنع، وتمادينا في الإصرار على الذهاب، وفي نهاية المطاف رأى أن لا فائدة من الإصرار، فقال: إذن امكثوا قليلاً حتّى أُنجز عملاً لي، ثمّ أعود سريعاً. قال ذلك وذهب وأغلق باب الغرفة، فقلنا لبعضنا: الخير في أن نذهب قبل أن يأتي؛ لأنّه لو أتى سيبدأ بمنعنا من جديد. فنهضنا نريد الخروج ولكنّ الباب كان مقفلاً، فعلمنا أنّ ذلك الرجل المؤمن احتال علينا لمنعنا، واضطررنا إلى الجلوس بعد خيبة الأمل من هذا الحظر.
وفجأة رأينا فتاة في وسط الشرفة للغرفة المقابلة وفي يدها وعاء وجاءت إلى خُزّان يُدّخر به الماء في الشرفة لتأخذ منه، فقلنا لها: افتحي الباب. ففتحته وهي لا تعرف حقيقة الأمر، فاندفعنا بسرعة إلى الخارج وأخذنا طريق الذهاب، فاجتزنا تلك الغرفة وباحة الدار الواقعة على أعلى رابية، ورأينا أنفسنا في وسط صحراء من الثلج، وفجأة سقط بصرنا على صاحب المنزل الذي كان فوق السطح يزيح الثلوج عنه، فصرخ: أيّها الأعزّاء، لا تذهبوا، ستتعرّضون للموت.
أصرّ الرجل كثيراً ولكن دون طائل ؛ إذ لم نعبأ بكلامه، ولمّا لم ير للإصرار فائدة


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
424

فرسخين بل أقلّ إلى جهة أراك.
ولمّا رأى الحقير اعتدال الجوّ بعد دخول الحمل۱ وتفرّق الطلاّب، وتقاليد عيد النوروز، وتعطيل الدراسة، فكّرت في نفسي أنّ قبر حفيد الإمام السجّاد السيّد سهل بن عليّ ـ الواقع في قرية آستانه من قرى كزّاز وهي محلاّت في بلدة أراك وعلى بعد ثمانية فراسخ عن بروجرد ـ يستحقّ الزيارة والاحترام، ووافقني على رأيي مجموعة من الطلاّب.
فخرجنا مشياً على الأقدام بأحذية وملابس تناسب جوّ بروجرد، حتّى وصلنا إلى الممرّ الجبليّ الضيّق الذي يقع على بعد فرسخ من المدينة تقريباً، وشاهدنا الثلج في وسطه، فلم نكترث له؛ لأنّه يبقى إلى الصيف في المناطق الجبلية، ولمّا تجاوزنا الممرّ بدت أمامنا صحراء مملوءة بالثلج، غير أنّنا لم نعنَ بها أيضاً؛ لأنّ السبيل موطوءة والشمس ساطعة، ولم يتبقّ من المسافة أكثر من ستّة فراسخ حتّى نصل إلى غايتنا، مع ملاحظة أنّنا سنقطع فرسخين في النهار، وننام الليلة ـ وهي ليلة الأربعاء ـ في إحدى القرى الواقعة على الطريق، فسرنا إلاّ أحد مرافقينا عاد أدراجه.
وصلنا القرية عصراً، وفيها مكثنا للاستراحة والنوم، وجاء الصباح يحمل مزيداً من الثلوج سدّت الطريق وغطّت معالمه، فصلّينا وطلعت الشمس وتهيّأنا للذهاب، ولمّا علم صاحب الدار أبدى ممانعته وقال: لم يعد هناك من سبيل، وهذا الثلج الجديد ملأ كل الطرقات. فقلنا: لا ضير في ذلك؛ لأنّ الجوّ جيّد، والقرى متّصلة مع بعضها، ويمكننا العثور على الطريق. فلم نبال أيضاً، وواصلنا مسيرنا.
فانقضى ذلك اليوم بِعَناء ومشقّة تامّة حتّى دخلنا قرية عند العصر، وبقي لنا منها إلى غايتنا أقلّ من فرسخين، ونمنا الليل في بيت أحد الأخيار باسم الحاج مراد.

1.. وهو البرج الأوّل من البروج الاثني عشر، ويقابل شهر فروردين في التقويم الهجري الشمسيّ ، وفي التقويم الميلادي من ۲۱ آذار إلى ۲۱ نيسان .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 12617
صفحه از 458
پرینت  ارسال به