استيقظنا صباحاً والجوّ غاية في البرودة، فقد هطلت ثلوج أُخرى إضافة إلى ثلج البارحة، غير أنّ الغيوم غادرت السماء، فأدّينا الصلاة، ورأينا الجوّ هادئاً، وغايتنا قريبة، والليلة المقبلة ليلة جمعة تناسب الزيارة والعبادة، وعند خروجنا قصدنا إدراك الزيارة في هذه الليلة، وتفصلنا عن المكان الذي نريده قرية أُخرى تتعلّق ببعض أرحام الحقير، وإذا لم نتمكّن من الوصول إلى غايتنا، فبإمكاننا التوقّف في تلك القرية لصلة الرحم، ولهذا كلّه عزمنا على مواصلة السير والوصول إلى مبتغانا.
ولما اطّلع صاحب الدار على ما صمّمنا عليه، بادرنا بمنع شديد وقال: إنّها من مظان الهلكة، ولايجوز ذلك. فأجبناه بأنّ المسافة إلى قرية أرحامنا ليست بعيدة، وليست أكثر من ممرّ جبليّ وحيد، والجوّ في ذلك الجانب ليس مثل هذا الجانب، ولا هلاك في مسافة فرسخ واحد.
والحاصل، تمادى في إصراره على المنع، وتمادينا في الإصرار على الذهاب، وفي نهاية المطاف رأى أن لا فائدة من الإصرار، فقال: إذن امكثوا قليلاً حتّى أُنجز عملاً لي، ثمّ أعود سريعاً. قال ذلك وذهب وأغلق باب الغرفة، فقلنا لبعضنا: الخير في أن نذهب قبل أن يأتي؛ لأنّه لو أتى سيبدأ بمنعنا من جديد. فنهضنا نريد الخروج ولكنّ الباب كان مقفلاً، فعلمنا أنّ ذلك الرجل المؤمن احتال علينا لمنعنا، واضطررنا إلى الجلوس بعد خيبة الأمل من هذا الحظر.
وفجأة رأينا فتاة في وسط الشرفة للغرفة المقابلة وفي يدها وعاء وجاءت إلى خُزّان يُدّخر به الماء في الشرفة لتأخذ منه، فقلنا لها: افتحي الباب. ففتحته وهي لا تعرف حقيقة الأمر، فاندفعنا بسرعة إلى الخارج وأخذنا طريق الذهاب، فاجتزنا تلك الغرفة وباحة الدار الواقعة على أعلى رابية، ورأينا أنفسنا في وسط صحراء من الثلج، وفجأة سقط بصرنا على صاحب المنزل الذي كان فوق السطح يزيح الثلوج عنه، فصرخ: أيّها الأعزّاء، لا تذهبوا، ستتعرّضون للموت.
أصرّ الرجل كثيراً ولكن دون طائل ؛ إذ لم نعبأ بكلامه، ولمّا لم ير للإصرار فائدة