411
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث

أصبحتُ ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلاً لأمر وليّ اللّه‏ وحجّته، مستعيناً باللّه‏ ومتوكّلاً عليه ومستغفراً من التقصير، «وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللّه‏ِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»۱.۲

۴ / ۲

الشَّيخُ المُفيدُ

۸۶۲.إحدى ألطاف الإمام المهدي عليه‏السلام هي تصحيح فتوى الشيخ المفيد بشأن امرأة ماتت وهي حامل وطفلها حيّ في بطنها. فكتب الميرزا محمّد التنكابنيّ قائلاً۳:
جاء رجل قرويّ إلى الشيخ المفيد وسأله عن امرأة ماتت وطفلها حيّ في بطنها، هل يجب شقّها وإخراج الطفل منه، أم تدفن مع حملها؟ فقال الشيخ: ادفنوها مع حملها. فرجع الرجل، ورأى في وسط الطريق فارساً يحثّ الخطى نحوه، وما أن وصل إليه قال: أيّها الرجل، يقول الشيخ: شقّوا بطن المرأة وأخرجوا الطفل ثمّ ادفنوها.
فعمل الرجل بما قاله الفارس، وبعد مدّة قصّ الحادثة على الشيخ المفيد، فقال الشيخ: لم أُرسل أحداً! ومعلوم أنّ ذلك الشخص هو الإمام المهديّ عليه‏السلام ؛ ولأنّني أخطأ في الأحكام الشرعيّة، فالأفضل ألاّ أُفتي بعد الآن. ثمّ جلس في بيته وأغلق بابه ولم يعد يخرج منه.
وإذا بتوقيع يصدر من صاحب الأمر عليه‏السلام: «أيُّها الشَّيخُ المُفيدُ، عَلَيكَ الفَتوى وعَلَينَا التَّسديدُ»، فعاد الشيخ وجلس على منبر الإفتاء۴.۵

1.. هود: الآية ۸۸.

2.. كمال الدين: ص ۳.

3.. الميرزا محمّد بن سليمان التنكابنيّ الواعظ ۱۲۳۵ ـ ۱۳۱۰ه ، مؤّف عدّة كتب؛ منها قصص العلماء(بالفارسية) (راجع : أعيان الشيعة : ج ۹ ص ۳۵۰) .

4.. لقد نقلنا منه هذه القصة وهي تذكّرنا بقصّة مشهورة في العصر الحاضر وقد واجهت إشكالات عديدة في المتنو السند ، فبسبب ما تمّ نقله في كتاب متأخّر جدّا في حدود القرن الثالث عشر والرابع عشر الذي يفصله تسعمئة سنة عن زمن وقوع الادّعاء ، وما يميّز الكتاب ومؤلّفه أيضا هو اُسلوب السرد القصصّي وافتقاره إلى الدقّة والضبط اللازم في النصوص الحديثيّة والتأريخيّة ، كما أنّ المحتوى المطروح لا ينسجم مع القواعد العقلائيّة والنقليّة .
فمن الواضح أن ليس لأحد الحقّ في دفن الحمل الحيّ مع اُمّه الميّتة وهي حامل به! وهذا ما لا يجيزه حتّى الناس العادّيين أيضا ، فكيف بعالم دقيق ومتفحّص كالشيخ المفيد أن يحكم بجواز دفن إنسان حيّ؟! وهناك رواية موجودة في المصادر القديمة مثل الكافي (ج ۳ ص ۲۰۶ ح ۱ ـ ۲) تدلّ أيضا على وجوب شقّ بطن الاُمّ وإخراج الولد منها . وهذا الكتاب وهذه الرواية كانا في متناول العلماء ، وقد أفتى طبقها قدماء الأصحاب .
علما أنّ وقوع هذه القصّة خارجا هو محال أيضا ؛ لأنّ الجنين لا يبقى حيّا في بطن الاُمّ الميّتة إلاّ لوقت قصير ، فكيف يمكن بقاؤه حيّا في هذه المدّة الطويلة التي استغرقها الذهاب من القرية إلى المدينة لأجل الاستفتاء ثمّ الرجوع إلى القرية!

5.. قصص العلماء: ص ۳۸۴ بقليل من التصرّف، عنايات حضرت مهدي موعود به علماء ومراجع تقليد بالفارسيّة: ص ۵۰.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
410

ـ قدّس اللّه‏ روحه ـ ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى في فضله وجلالته يروي عن أبي طالب عبد اللّه‏ بن الصلت القمّي رضى‏الله‏عنه وبقي حتّى لقيه محمّد بن الحسن الصفّار وروى عنه.
فلمّا أظفرني اللّه‏ ـ تعالى ذكره ـ بهذا الشيخ الذي هو من أهل هذا البيت الرفيع، شكرت اللّه‏ ـ تعالى ذكره ـ على ما يسّر لي من لقائه وأكرمني به من إخائه وحباني به من ودّه وصفائه.
فبينا هو يحدّثني ذات يوم، إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارى ـ من كبار الفلاسفة والمنطقيّين ـ كلاماً في القائم عليه‏السلام قد حيّره وشكّكه في أمره؛ لطول غيبته وانقطاع أخباره. فذكرت له فصولاً في إثبات كونه عليه‏السلام، ورويت له أخباراً في غيبته عن النبيّ والأئمّة عليهم‏السلام، سكَنَت إليها نفسُه وزال بها عن قلبه ما كان دخل عليه من الشكّ والارتياب والشبهة، وتلقّى ما سمعه من الآثار الصحيحة بالسمع والطاعة والقبول والتسليم، وسألني أن أُصنّف له في هذا المعنى كتاباً، فأجبته إلى ملتمسه، ووعدته جمع ما ابتغى إذا سهّل اللّه‏ لي العود إلى مستقرّي ووطني بالريّ.
فبينا أنا ذات ليلة أُفكّر فيما خلّفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة، إذ غلبني النوم، فرأيت كأنّي بمكّة أطوف حول بيت اللّه‏ الحرام، وأنا في الشوط السابع عند الحجر الأسود أستلمه وأُقبّله وأقول: «أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة»۱، فأرى مولانا القائم صاحب الزمان ـ صلوات اللّه‏ عليه ـ واقفاً بباب الكعبة، فأدنو منه على شغل قلب وتقسّم فكر، فعلم عليه‏السلام ما في نفسي بتفرّسه في وجهي، فسلّمت عليه فردّ عليه‏السلام، ثمّ قال لي: «لِمَ لا تُصَنِّفُ كِتاباً فِي الغَيبَةِ حَتّى تُكفى ما قَد هَمَّكَ»؟ فقلت له: يابن رسول اللّه‏، قد صنّفت في الغيبة أشياء، فقال عليه‏السلام: «لَيسَ عَلى ذلِكَ السَّبيلِ آمُرُكَ أن تُصَنِّفَ، ولكِن صَنِّفِ الآنَ كِتاباً فِي الغَيبَةِ، وَاذكُر فيهِ غَيباتِ الأنبِياءِ عليهم‏السلام»، ثمّ مضى صلوات اللّه‏ عليه.
فانتبهت فزعاً إلى الدعاء والبكاء والبثّ والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلمّا

1.. هو جزء من الدعاء الوارد في الطواف عند استلام الحجر الأسود وتقبيله راجع: الكافي: ج ۴ ص ۴۰۳ ح ۳.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 12457
صفحه از 458
پرینت  ارسال به