ثمّ إنّي خرجت عشية يوم الثلاثاء ماشياً على عادتي وكان الزمان شتاء، وكانت تلك العشيّة مظلمة جدّاً ؛ لتراكم الغيوم مع قليل مطر، فتوجّهت إلى المسجد وأنا مطمئنّ بمجيء الناس على العادة المستمرّة، حتّى وصلت إلى المسجد وقد غربت الشمس واشتدّ الظلام وكثر الرعد والبرق، فاشتدّ بي الخوف وأخذني الرعب من الوحدة ؛ لأنّي لم أصادف في المسجد الشريف أحداً أصلاً، حتّى إنّ الخادم المقرّر للمجيء ليلة الأربعاء لم يجئ تلك الليلة. فاستوحشت لذلك للغاية وقلت في نفسي: ينبغي أن اصلّي المغرب وأعمل عمل الاستجارة عجالة، وأمضي إلى مسجد الكوفة، فصبّرت نفسي، وقمت إلى صلاة المغرب فصلّيتها، ثمّ توجّهت لعمل الاستجارة وصلاتها ودعائها، وكنت أحفظه.
فبينما أنا في صلاة الاستجارة، إذ حانت منّي التفاتة إلى المقام الشريف المعروف بمقام صاحب الزمان عليهالسلام، وهو في قبلة مكان مصلاّي، فرأيت فيه ضياءً كاملاً، وسمعت فيه قراءة مصلّ، فطابت نفسي، وحصل كمال الأمن والاطمئنان، وظننت أنّ في المقام الشريف بعض الزوّار، وأنا لم أطّلع عليهم وقت قدومي إلى المسجد، فأكملت عمل الاستجارة وأنا مطمئنّ القلب.
ثمّ توجّهت نحو المقام الشريف ودخلته، فرأيت فيه ضياءً عظيماً، لكنّي لم أر بعيني سراجاً، ولكنّي في غفلة عن التفكّر في ذلك، ورأيت فيه سيّداً جليلاً مهاباً بصورة أهل العلم، وهو قائم يصلّي، فارتاحت نفسي إليه، وأنا أظنّ أنّه من الزوّار الغرباء ؛ لأنّي تأمّلته في الجملة فعلمت أنّه من سكنة النجف الأشرف. فشرعت في زيارة مولانا الحجّة سلام اللّه عليه عملاً بوظيفة المقام، وصلّيت صلاة الزيارة، فلمّا فرغت أردت اكلّمه في المضيّ إلى مسجد الكوفة، فهبته وأكبرته، وأنا أنظر إلى خارج المقام، فأرى شدّة الظلام وأسمع صوت الرعد والمطر، فالتفت إليّ بوجهه