الوجه طيّب الرّائحة، متّزر ببردة متّشح باخرى وقد عطف بردائه على عاتقه، فرعته، فالتفت إليّ فقال: ممّن الرّجل ؟ فقلت: من الأهواز، فقال: أتعرف بها ابن الخصيب ؟ فقلت: رحمه اللّه، دعي فأجاب، فقال: رحمه اللّه ؛ لقد كان بالنّهار صائماً وباللّيل قائماً وللقرآن تالياً ولنا موالياً، فقال: أتعرف بها عليّ بن إبراهيم بن مهزيار ؟ فقلت: أنا عليٌّ، فقال: أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن، أتعرف الصريحين ؟ قلت: نعم، قال: ومن هما ؟ قلت: محمّدٌ وموسى.
ثمّ قال: ما فعلت العلامة الّتي بينك وبين أبي محمّد عليهالسلام ؟ فقلت: معي، فقال: أخرجها إليّ. فأخرجتها إليه خاتماً حسناً، على فصّه: محمّدٌ وعليٌّ، فلمّا رأى ذلك بكى (مليّاً ورنّ شجيّاً، فأقبل يبكي بكاءً) طويلاً وهو يقول: رحمك اللّه يا أبا محمّد ؛ فلقد كنت إماماً عادلاً، ابن أئمّة وأبا إمام، أسكنك اللّه الفردوس الأعلى مع آبائك عليهالسلام. ثمّ قال: يا أبا الحسن، صر إلى رحلك وكن على اهبة من كفايتك، حتّى إذا ذهب الثّلث من اللّيل وبقي الثّلثان فالحق بنا، فإنّك ترى مناك (إن شاء اللّه).
قال ابن مهزيار: فصرت إلى رحلي اطيل التّفكّر، حتّى إذا هجم الوقت فقمت إلى رحلي وأصلحته وقدّمت راحلتي وحملتها وصرت في متنها، حتّى لحقت الشّعب، فإذا أنا بالفتى هناك يقول: أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن، طوبى لك فقد اذن لك. فسار وسرت بسيره، حتّى جاز بي عرفات ومنىً، وصرت في أسفل ذروة جبل الطّائف، فقال لي: يا أبا الحسن، انزل وخذ في اهبة الصلاة. فنزل ونزلت حتّى فرغ وفرغت. ثمّ قال لي: خذ في صلاة الفجر وأوجز، فأوجزت فيها، وسلّم وعفّر وجهه في التّراب، ثمّ ركب وأمرني بالرّكوب، فركبت.
ثمّ سار وسرت بسيره حتّى علاَ الذّروَةَ، فَقالَ: المَح هَل ترى شيئاً ؟ فلمحت فرأيت بقعةً نزهةً كثيرة العشب والكلاَء، فقلت: يا سيّدي، أرى بقعةً نزهةً كثيرة