273
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث

هنأك السلامة. فدخلت فإذا أنا به جالسٌ قد اتّشح ببردة واتّزر باخرى وقد كسر بردته على عاتقه، وهو كاقحوانة ارجوان قد تكاثف عليها النّدى وأصابها ألم الهوى، وإذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان، سمحٌ سخيٌّ تقيٌّ نقيٌّ، ليس بالطّويل الشامخ ولا بالقصير اللاّزق، بل مربوع القامة مدوّر الهامة، صلت الجبين أزجّ الحاجبين، أقنى الأنف سهل الخدّين، على خدّه الأيمن خالٌ كأ نّه فتات مسك على رضراضة عنبر.
فلمّا أن رأيته بدرته بالسّلام، فردّ عليّ أحسن ما سلّمت عليه، وشافهني وسألني عن أهل العراق، فقلت: سيّدي قد البسوا جلباب الذّلّة وهم بين القوم أذلاّء، فقال لي: يابن المازيار، لتملكونهم كما ملكوكم وهم يومئذ أذلاّء، فقلت: سيّدي، لقد بعد الوطن وطال المطلب فقال: يابن المازيار، (أبي) أبو محمّد عهد إليّ أن لا اجاور قوماً غضب اللّه‏ عليهم (ولعنهم) ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذابٌ أليمٌ، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلاّ وعرها ومن البلاد إلاّ عفرها، واللّه‏ مولاكم أظهر التّقيّة فوكلها بي، فأنا في التّقيّة إلى يوم يؤن لي فأخرج.
فقلت: يا سيّدي، متى يكون هذا الأمر ؟ فقال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر، واستدار بهما الكواكب والنّجوم. فقلت: متى يابن رسول اللّه‏ ؟ فقال لي: في سنة كذا وكذا تخرج دابّة الأرض (من) بين الصفا والمروة ومعه عصا موسى وخاتم سليمان، يسوق النّاس إلى المحشر.
قال: فأقمت عنده أيّاماً وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي. واللّه‏، لقد سرت من مكّة إلى الكوفة ومعي غلامٌ يخدمني، فلم أر إلاّ خيراً، وصلّى اللّه‏ على محمّد وآله وسلّم.۱

1.. الغيبة للطوسيّ : ص ۲۶۳ ح ۲۲۸ ، الخرائج و الجرائح : ج ۲ ص ۷۸۵ ح ۱۱۱ ، الصراط المستقيم : ج ۲ ص ۲۳۵ ،بحار الأنوار : ج ۵۲ ص ۹ ح ۶ .


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
272

المازيار ؟ فقلت: أنا عليّ بن إبراهيم، فقال: حيّاك اللّه‏ أبا الحسن، ما فعلت بالعلامة الّتي بينك وبين أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه‏السلام ؟ فقلت: معي، قال: أخرجها. فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها، فلمّا أن رآها لم يتمالك أن تغرغرت عيناه (بالدّموع)، وبكى منتحباً حتّى بلّ أطماره، ثمّ قال: اذن لك الآن يابن المازيار، صر إلى رحلك وكن على اهبة من أمرك، حتّى إذا لبس اللّيل جلبابه وغمر النّاس ظلامه سر إلى شعب بني عامر، فإنّك ستلقاني هناك.
فسرت إلى منزلي، فلمّا أن أحسست بالوقت أصلحت رحلي وقدّمت راحلتي، وعكمته شديداً، وحملت وصرت في متنه، وأقبلت مجدّاً في السير حتّى وردت الشّعب، فإذا أنا بالفتى قائمٌ ينادي: يا أبا الحسن إليّ. فما زلت نحوه، فلمّا قربت بدأني بالسّلام وقال لي: سر بنا يا أخي، فما زال يحدّثني واحدّثه حتّى تخرّقنا جبال عرفات وسرنا إلى جبال منىً، وانفجر الفجر الأوّل ونحن قد توسّطنا جبال الطّائف، فلمّا أن كان هناك أمرني بالنّزول وقال لي: انزل فصلّ صلاة اللّيل. فصلّيت، وأمرني بالوتر فأوترت، وكانت فائدةً منه، ثمّ أمرني بالسّجود والتّعقيب، ثمّ فرغ من صلاته وركب وأمرني بالرّكوب، وسار وسرت معه، حتّى علا ذروة الطّائف فقال: هل ترى شيئاً ؟ قلت: نعم، أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقّد البيت نوراً. فلمّا أن رأيته طابت نفسي فقال لي: هنأك الأمل والرّجاء.
ثمّ قال: سر بنا يا أخي، فسار وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذّروة وسار في أسفله، فقال: انزل، فهاهنا يذلّ كلّ صعب ويخضع كلّ جبّار، ثمّ قال: خلّ عن زمام النّاقة، قلت: فعلى من اخلّفها ؟ فقال: حرم القائم عليه‏السلام، لا يدخله إلاّ مؤمنٌ ولا يخرج منه إلاّ مؤمنٌ. فخلّيت من زمام راحلتي، وسار وسرت معه إلى أن دنا من باب الخباء، فسبقني بالدّخول، وأمرني أن أقف حتّى يخرج إليّ، ثمّ قال لي: ادخل

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 12728
صفحه از 458
پرینت  ارسال به