203
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث

فَقالا لَهُ: اللّه‏َ اللّه‏َ اللّه‏َ، فَإِنَّ هذَا الكِتابَ لا يَحتَمِلُ ما فيهِ خَلقٌ مِنَ الشّيعَةِ، فَكَيفَ عَبد ُالرَّحمنِ بنُ مُحَمَّدٍ ؟!
فَقالَ: أنَا أعلَمُ أنّي مُفشٍ لِسِرٍّ لا يَجوزُ لي إعلانُهُ، لكِن مِن مَحَبَّتي لِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ مُحَمَّدٍ وشَهوَتي أن يَهدِيَهُ اللّه‏ُ عز و جل لِهذَا الأَمرِ هُوَ ذا اُقرِئُهُ الكِتابَ.
فَلَمّا مَرَّ فِيَّ ذلِكَ اليَومُ ـ وكانَ يَومَ الخَميسِ لِثَلاثَ عَشَرَةَ خَلَت مِن رَجَبٍ ـ دَخَلَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُحَمَّدٍ وسَلَّمَ عَلَيهِ، فَأَخرَجَ القاسِمُ الكِتابَ فَقالَ لَهُ: اِقرَأ هذَا الكِتابَ وَانظُر لِنَفسِكَ.
فَقَرَأَ عَبدُ الرَّحمنِ الكِتابَ، فَلَمّا بَلَغَ إلى مَوضِعِ النَّعيِ رَمَى الكِتابَ عَن يَدِهِ، وقالَ لِلقاسِمِ: يا أبا مُحَمَّدٍ، اتَّقِ اللّه‏َ، فَإِنَّكَ رَجُلٌ فاضِلٌ في دينِكَ، مُتَمَكِّنٌ مِن عَقلِكَ، وَاللّه‏ُ عز و جل يَقولُ: «وَ مَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِى نَفْسُ بِأَىِّ أَرْضٍ تَموتُ»۱. وقالَ: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا»۲.
فَضَحِكَ القاسِمُ، وقالَ لَهُ: أتِمَّ الآيَةَ «إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسولٍ»۳، ومَولايَ عليه‏السلام هُوَ الرِّضا۴ مِنَ الرَّسولِ. وقالَ: قَد عَلِمتُ أنَّكَ تَقولُ هذا، ولكِن أرِّخِ اليَومَ، فَإِن أنَا عِشتُ بَعدَ هذَا اليَومِ المُوَرَّخِ في هذَا الكِتابِ، فَاعلَم أنّي لَستُ عَلى شَيءٍ، وإن أنَا مِتُّ فَانظُر لِنَفسِكَ. فَوَرَّخَ عَبدُ الرَّحمنِ اليَومَ وَافتَرَقوا.
وحُمَّ القاسِمُ يَومَ السّابِعِ مِن وُرودِ الكِتابِ، وَاشتَدَّت بِهِ في ذلِكَ اليَومِ العِلَّةُ، وَاستَنَدَ في فِراشِهِ إلَى الحائِطِ، وكانَ ابنُهُ الحَسَنُ بنُ القاسِمِ مُدمِناً عَلى شُربِ الخَمرِ، وكانَ مُتَزَوِّجاً إلى أبي عَبدِ اللّه‏ِ۵ بنِ حُمدونٍ الهَمَدانِيِّ، وكانَ جالِساً ورِداؤُهُ

1.. لقمان : ۳۴ .

2.. الجن : ۲۶ .

3.. الجن : ۲۷ .

4.. وفي بحار الأنوار : « المرتضى » بدل « الرضا » .

5.. في بحارالأنوار : «أبي جعفر» بدل «أبي عبداللّه‏» .


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
202

النِّصفِ المُدرَجِ۱، فَناوَلَهُ القاسِمَ، فَأَخَذَهُ وقَبَّلَهُ ودَفَعَهُ إلى كاتِبٍ لَهُ يُقالُ لَهُ ابنُ أبي سَلَمَةَ، فَأَخَذَهُ أبو عَبدِ اللّه‏ِ فَفَضَّهُ وقَرَأَهُ حَتّى أحَسَّ القاسِمُ بِنِكايَةٍ.۲
فَقالَ: يا أبا عَبدِ اللّه‏ِ خَيرٌ ؟ فَقالَ: خَيرٌ. فَقالَ: وَيحَكَ خَرَجَ فِيَّ شَيءٌ ؟ فَقالَ أبو عَبدِ اللّه‏ِ: ما تَكرَهُ فَلا. قالَ القاسِمُ: فَما هُوَ ؟ قالَ: نُعِيَ الشَّيخُ إلى نَفسِهِ بَعدَ وُرودِ هذَا الكِتابِ بِأَربَعينَ يَوماً، وقَد حُمِلَ إلَيهِ سَبعَةُ أثوابٍ. فَقالَ القاسِمُ: في سَلامَةٍ مِن ديني ؟ فَقالَ: في سَلامَةٍ مِن دينِكَ، فَضَحِكَ رحمه‏الله فَقالَ: ما اُؤَمِّلُ بَعدَ هذَا العُمُرِ ؟
فَقالَ الرَّجُلُ۳ الوارِدُ فَأَخرَجَ مِن مِخلاتِهِ ثَلاثَةَ اُزُرٍ وحِبَرَةً يَمانِيَّةً حَمراءَ وعِمامَةً وثَوبَينِ ومِنديلاً، فَأَخَذَهُ القاسِمُ، وكانَ عِندَهُ قَميصٌ خَلَعَهُ عَلَيهِ مَولانَا الرِّضا أبُو الحَسَنِ عليه‏السلام ۴، وكانَ لَهُ صَديقٌ يُقالُ لَهُ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُحَمَّدٍ البَدرِيُّ، وكانَ شَديدَ النَّصبِ، وكانَ بَينَهُ وبَينَ القاسِمِ ـ نَضَّرَ اللّه‏ُ وَجهَهُ ـ مَوَدَّةٌ في اُمورِ الدُّنيا شَديدَةٌ، وكانَ القاسِمُ يَوَدُّهُ، وقَد كانَ عَبدُ الرَّحمنِ وافى إلَى الدّارِ لاِءِصلاحٍ بَينَ أبي جَعفَرِ بنِ حُمدونٍ الهَمَدانِيِّ وبَينَ خَتَنِهِ ابنِ القاسِمِ.
فَقالَ القاسِمُ لِشَيخَينِ مِن مَشايِخِنَا المُقيمينَ مَعَهُ، أحَدُهُما يُقالُ لَهُ أبو حامِدٍ عِمرانُ بنُ المُفَلَّسِ، وَالآخَرُ أبو عَلِيِّ بنُ جَحدَرٍ:۵ أن أقرِئا هذَا الكِتابَ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنّي اُحِبُّ هِدايَتَهُ، وأَرجو أن يَهدِيَهُ اللّه‏ُ بِقِراءَةِ هذَا الكِتابِ،

1.. يطلق «المدرج» على الكتابة المطويّة و الملفوفة ، و من المحتمل أيضاً على قطع و حجم معين بحار الأنوار .

2.. يقال : نكيت في العدوّ ، أنكي نكايةً ؛ إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل ، فوهنوا لذلك . وقد يُهمز ، لغة فيه ، يقال :نكأت القرحة أنكؤها ؛ إذا قشرتها النهاية : ج ۵ ص۱۱۷ «نكا» .

3.. قالَ بيده ؛ أي أخَذَ ، وقال برجله ؛ أي مشى ... وقال بثوبه ؛ أي رفعه ، وكلّ ذلك على المجاز والاتّساع النهاية : ج ۴ ص ۱۲۴ «قول» . وهنا : أي أهوى بيديه وأخذ ما يريد .

4.. في الخرائج والجرائح والثاقب في المناقب : «النقي عليه‏السلام» ، وفي فرج المهموم : «أبوالحسن ابن الرضا عليه‏السلام» .

5.. أبو عليّ بن جَحدَر ، من مشائخ الشيعة المقيمين ، تولّى غسل القاسم بن العلاء الهمدانيّ لمّا توفّي راجع: ص ۲۰۵ ح ۷۴۳ ومستدركات علم رجال الحديث : ج ۸ ص ۴۲۴ الرقم ۱۷۱۳۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 12646
صفحه از 458
پرینت  ارسال به