فَقالا لَهُ: اللّهَ اللّهَ اللّهَ، فَإِنَّ هذَا الكِتابَ لا يَحتَمِلُ ما فيهِ خَلقٌ مِنَ الشّيعَةِ، فَكَيفَ عَبد ُالرَّحمنِ بنُ مُحَمَّدٍ ؟!
فَقالَ: أنَا أعلَمُ أنّي مُفشٍ لِسِرٍّ لا يَجوزُ لي إعلانُهُ، لكِن مِن مَحَبَّتي لِعَبدِ الرَّحمنِ بنِ مُحَمَّدٍ وشَهوَتي أن يَهدِيَهُ اللّهُ عز و جل لِهذَا الأَمرِ هُوَ ذا اُقرِئُهُ الكِتابَ.
فَلَمّا مَرَّ فِيَّ ذلِكَ اليَومُ ـ وكانَ يَومَ الخَميسِ لِثَلاثَ عَشَرَةَ خَلَت مِن رَجَبٍ ـ دَخَلَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُحَمَّدٍ وسَلَّمَ عَلَيهِ، فَأَخرَجَ القاسِمُ الكِتابَ فَقالَ لَهُ: اِقرَأ هذَا الكِتابَ وَانظُر لِنَفسِكَ.
فَقَرَأَ عَبدُ الرَّحمنِ الكِتابَ، فَلَمّا بَلَغَ إلى مَوضِعِ النَّعيِ رَمَى الكِتابَ عَن يَدِهِ، وقالَ لِلقاسِمِ: يا أبا مُحَمَّدٍ، اتَّقِ اللّهَ، فَإِنَّكَ رَجُلٌ فاضِلٌ في دينِكَ، مُتَمَكِّنٌ مِن عَقلِكَ، وَاللّهُ عز و جل يَقولُ: «وَ مَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِى نَفْسُ بِأَىِّ أَرْضٍ تَموتُ»۱. وقالَ: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا»۲.
فَضَحِكَ القاسِمُ، وقالَ لَهُ: أتِمَّ الآيَةَ «إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسولٍ»۳، ومَولايَ عليهالسلام هُوَ الرِّضا۴ مِنَ الرَّسولِ. وقالَ: قَد عَلِمتُ أنَّكَ تَقولُ هذا، ولكِن أرِّخِ اليَومَ، فَإِن أنَا عِشتُ بَعدَ هذَا اليَومِ المُوَرَّخِ في هذَا الكِتابِ، فَاعلَم أنّي لَستُ عَلى شَيءٍ، وإن أنَا مِتُّ فَانظُر لِنَفسِكَ. فَوَرَّخَ عَبدُ الرَّحمنِ اليَومَ وَافتَرَقوا.
وحُمَّ القاسِمُ يَومَ السّابِعِ مِن وُرودِ الكِتابِ، وَاشتَدَّت بِهِ في ذلِكَ اليَومِ العِلَّةُ، وَاستَنَدَ في فِراشِهِ إلَى الحائِطِ، وكانَ ابنُهُ الحَسَنُ بنُ القاسِمِ مُدمِناً عَلى شُربِ الخَمرِ، وكانَ مُتَزَوِّجاً إلى أبي عَبدِ اللّهِ۵ بنِ حُمدونٍ الهَمَدانِيِّ، وكانَ جالِساً ورِداؤُهُ