155
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث

وتأتي عناية الفقهاء بهذا التوقيع وكثرة استنادهم إليه بسبب أهمّيته واتّساع موضوعاته؛ ومن بينها موضوع حجّية الاجتهاد ووجوب الرجوع إلى الفقهاء في المسائل الشرعيّة، وكذلك موضوع ولاية الفقيه المهمّ، حيث شكّلت عبارة: «أمَّا الحَوادِثُ الواقِعَةُ فَارجِعوا فيها إلى رُواةِ حَديثِنا، فَإنَّهُم حُجَّتي عَلَيكم وَأنَا حُجَّةُ اللّه‏ِ عَلَيهِم» أرضيّة خصبة لبحوث مسهبة بين الفقهاء بشأنها، هذه العبارة التي تكرّرت مئات المرّات في المصادر الفقهيّة للقرن الحادي عشر وما تلاه، وتفصيلها يغنينا عن ذكر نموذج لهذه المصادر. ونظراً للبحوث التي قام بها فقهاؤا في الوقت الحاضر عن هذا الجزء من التوقيع، فلا يوجد أيّ فقيه لايهتمّ بها عند بحثه لموضوع ولاية الفقيه، وبخاصّة قضيّة الاجتهاد والتقليد.

والذي وقع عليه الاهتمام والبحث من مضمون هذا القسم قبل غيره، هو تعيّين نطاق «الحوادث الواقعة» وحدود الإرجاع إلى الفقهاء ؛ فبعضهم اعتقد أنّه يقتصر على مقام الإفتاء ووجوب الرجوع إليهم لمعرفة الأحكام الشرعيّة وفي حدود أدلّة الاجتهاد والتقليد، وبعضهم أولاه اهتمامه ضمن أدلّة تعيّين منصب القضاء للفقهاء، وبعض ثالث ـ كالمحقّق النراقيّ۱ والإمام الخمينيّ۲ـ اعتبره جزءاً من الأدلّة العامّة لولاية الفقيه.

ومن موضوعاته المهمّة الأُخرى: الخمس وحكمه في عصر الغيبة، فجملة:«وَأمَّا الخُمُسُ فَقَد أُبِيحَ لِشيعَتِنا، وَجُعِلوا مِنهُ في حِلٍّ إلى وَقتِ ظُهورِ أمرِنا، لِتَطيبَ وِلادَتُهُم وَلا تَخبُثَ» من بين الأدلّة المختلفة والمتعارضة مع جملة المقدّمة: «وَأمَّا المُتَلَبِّسونَ بِأموالِنا، فَمَنِ استَحَلَّ مِنها شَيئاً فَأكَلَهُ، فَإِنَّما يَأكلُ النّيرانَ»، ويُعدّ دليلاً جديراً بالاهتمام، واستند إليه

1.. عوائد الأيّام: ص ۵۳۲.

2.. كتاب البيع: ج ۲ ص ۶۳۵.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
154

يعقوب، وأساس الكلام يقع فيه هو، إذ لم يأت شيء عنه في أُمّهات المصادر الرجاليّة۱، ولكن مع ذلك حازت الأقسام الفقهيّة لهذا التوقيع أكبر حجم من الاستناد إليها في المصادر الفقهيّة المتأخّرة قياساً بغيره من التوقيعات الفقهيّة، ممّا يكشف عن ثقة فقهائنا الإجماليّة به، على الرغم من عدم معرفة إسحاق وعدم ذكر نصوص الأسئلة.

هذا الوثوق هو أمر جدير بالاهتمام ومناسب تماماً وأساس للاطمئنان العقلائي بصحّة سند هذا التوقيع المهمّ ؛ نظراً إلى ما أُنجز من بحوث تستقصي إيجاد الثقة في معرفة اعتبار سنده خلال السنين الأخيرة.

والنقطة المحوريّة لهذه البحوث هي ضرورة الاهتمام بمنزلة الشيخ الكلينيّ، وعظمة التوقيعات من جهة تعلّقها بإمام العصر عليه‏السلام، وصدورها لبعض خواصّ الشيعة، واشتمالها على خطّ الإمام عليه‏السلام، ووجود الكلينيّ في بغداد إبّان عهد الغيبة الصغرى.

فكان بإمكان الكلينيّ البحث والتدقيق في ادّعاء مكاتبة إسحاق بن يعقوب مع الإمام عليه‏السلام والحصول على الجواب.

فبغضّ النظر عن مضمون التوقيع، فإنّ قبول مثل هذا الادّعاء الخالي من الدليل والصادر من شخص مجهول، ثمّ نَقلُه وروايته لأُناس من قبيل ابن قولويه وأبي غالب الزراريّ، ليس أمرا يمكن قبوله بسهولة في شخص مثل ثقة الإسلام الكلينيّ، وهذا يكشف عن أنّ الكلينيّ إمّا كان يعرف إسحاق بن يعقوب عن كثب ـ وبخاصّة إذا صحّ احتمال كونه أخاه ـ أو حصل له اطمئنان بثقته وصدقه، وهذا المقدار يكفينا للوثوق بالسند والاعتماد عليه، إضافة إلى استناد الفقهاء إليه وعملهم به على نطاق واسع.۲

1.. اعتبر الشيخ محمّد تقي الشوشتريّ إسحاقَ بن يعقوب أخاً لمحمّد بن يعقوب الكلينيّ راجع: قاموس الرجال: ج ۱ ص ۷۸۶ .

2.. للاطّلاع على اعتبار سند هذا التوقيع الشريف تُراجع عدّة مصادر، منها: الدراسات القيّمة لآية اللّه‏ السيّد كاظمالحائري في بعض كتبه، حيث اعتبر التوقيع صحيحاً من جهة سنده راجع: أساس الحكومة الإسلاميّة: ص۱۵۵ ـ ۱۵۶ و ۲۲۵ ـ ۲۲۹ وولاية الأمر في عصر الغيبة: ص ۲۱ ـ ۲۲ و ۱۲۰ ـ ۱۲۲ والمرجعيّة والقيادة: ص ۱۵۳ .
كما تُلاحظ بعض البحوث المفيدة في المصادر الفقهيّة عن توثيق سند هذا التوقيع (راجع: الدرّ النضيد في الاجتهاد والاحتياط والتقليد: ج ۱ ص ۲۹۴ ـ ۲۹۵ ونظام القضاء والشهادة في الشريعة الإسلاميّة الغرّاء: ج ۱ ص ۷۷ ومجلّة فقه أهل البيت عليهم‏السلام : العدد ۳۶ ص ۱۳۳ ـ ۱۴۳).

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 12499
صفحه از 458
پرینت  ارسال به