131
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث

محمّد بن أحمد بن داود القمّي، وهو من كبار الأصحاب، وروى الشيخ عنه بواسطة مشايخه، مثل ابن الغضائريّ وابن عبدون، ورأى السيّد الخوئيّ أنّ اعتبار سنده أثار اهتمام الشيخ الحرّ العامليّ أيضاً.۱

وفي بيان معنى الحديث الذي لايبدو واضحاً وشفّافاً من وجهة نظر بعض الفقهاء، سَلّم السيّد الخوئيّ بأنّ قيد «ما لم يستَوِ جالساً» متعلّق بجملة: «لا شَى‏ءَ عَلَيه في رَفعِ رأسِه» الواردة في المقدّمة ؛ أي أجاز الإ مام عليه‏السلام رفع الرأس عن محلّ السجود بمقدار يسير لا يصل إلى حدّ الجلوس. ومن هذه الجهة يعتبر جواب الإمام عليه‏السلام مطابقاً للسؤل، والظنّ بعدمه دفع بعض الفقهاء ليتّخذوه شاهداً على اضطراب متن التوقيع ؛ لأنّه تتّضح صحّة السجدة بعد حكم الإمام عليه‏السلام برفع الرأس للبحث عن التربة، وإلاّ ليس للمرء حقّ بأن يرفع رأسه بأيّ نحوٍ كان.

وأكّد آية اللّه‏ السيّد الخوئيّ فيما خلص إليه أنّ التوقيع صحيح السند ظاهر المتن من غير تشويش، ولا يرد عليها شيء ممّا ذُكر.

ولكنّ الملاحظة الأساسيّة أنّ هذا السؤل يتعلّق بصلاة النافلة ؛ ولأنّ في الصلوات المستحبّة يُغضّ الطرف عن أُمور لا يجوز الإغماض عنها في الصلوات الواجبة، وبعض شروط الصلاة الواجبة ليست شرطاً في الصلاة المستحبّة، فُيحتمل أنّ التوقيع من هذا القبيل، ولهذا لايمكن الاستناد إليه في الصلوات الواجبة، ولا يُتّخذ إلاّ شاهدا على تأييد

1.. ما يلفت الانتباه هو أنّ آية اللّه‏ السيّد الخوئيّ اعتقد بأنّ مجموع هذا التوقيع الذي أورده الشيخ الطوسيّ بتعبير:«وفي كتاب آخر» وفقاً لظاهر قول الشيخ نفسه وترتيبه كما في الغيبة ص ۳۷۳ و۳۸۷، اعتقد أنّه يتعلّق بسند التوقيع لما قبل الشيخ، وعدّه معتبراً. ورأى الطبرسيّ أيضاً في الاحتجاج تعلّقه بالحميريّ، ممّا يبيّن أنّه أخذه من الشيخ الطوسيّ أو متّفق معه في الرأي. هذه الملاحظة المهمّة في اعتبار التوقيع ربّما تجرّ إلى الظنّ بأنّ الشيخ نقله مرسلاً، في حين أنّ الأمر ليس كذلك. علماً بأنّ النجاشيّ أشار إلى مكاتبات الحميريّ مع إمام العصر عليه‏السلام وما وجّهه إليه من أسئلة شرعيّة، وأضاف أنّ أحمد بن الحسين قال له (للنجاشي): إنّه قد وصله أصل هذه الأسئلة مع أجوبتها المكتوبة بين الأسطر (راجع : رجال النجاشيّ : ص ۳۵۵).


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
130

وظاهر تلك الأحاديث ليس على نسق واحد، فبعضها تجيز رفع الرأس ووضعه على المحلّ المناسب، وبعضها الآخر أمر بجرّ الجبهة إلى ما يصحّ السجود عليه. وهذا التوقيع الشريف من المجموعة الأُولى إجمالاً، ولهذا قام الفقهاء ببحوث متعدّدة في كيفيّة المواءمة بين ظواهر هذه الأحاديث واستنباط حكم منها، وقال كثير منهم بالتفصيل في الحكم، ومنه التفريق بين المكان المرتفع وغيره.

وطريقة استنتاج الفقهاء من هذا التوقيع وتقييمهم له ليست على نهج واحد، فبعضهم يئس منه ولم يره مؤّلاً للاستدلال به ؛ لظنّه بضعف سنده بناءً على رواية الطبرسيّ الذي نقله بنحو مرسل۱، ولنوع من الاضطراب والإجمال في المتن وبخاصّة قيد «ما لَم يستَوِ جالِساً» الذي رأوه مخالفاً لعدّة أحاديث أُخرى.۲

وأمّا أغلبهم فاعتبروه صالحاً للاستناد إليه وإن رأوا في ظاهره نوعاً من الإجمال، وعدّوه بنحوٍ ما دليلاً أو مؤّداً لمدّعاهم، سيّما وأنّ الشيخ الطوسيّ رواه بسند معتبر وصحيح، خلافاً لنقل الطبرسيّ الذي روى مجموعة أسئلة الحميريّ مرسلةً، ويبدو أنّ مصدره هو رواية الشيخ الطوسيّ.

ومن الفقهاء الذين لهم الرأي الأخير: آية اللّه‏ السيّد عبد الحسين اللاّري، وآية اللّه‏ الشيخ عبد الكريم الحائريّ، وآية اللّه‏ البروجرديّ، وآية اللّه‏ الأراكيّ.۳

وأكّد بعض هؤاء الفقهاء على الاعتبار السنديّ لهذا التوقيع الشريف، وأفضل شرح ودفاع عن اعتبار سنده ومتنه هو ما كتبه آية اللّه‏ السيّد الخوئيّ، حيث أشار إلى إشكال بعض الفقهاء على السند والمتن، وأكّد صحّة سند الشيخ الطوسيّ إلى الحميريّ بواسطة

1.. الاحتجاج: ج ۲ ص ۴۸۱.

2.. تراجع عدّة مصادر، منها: الحدائق الناضرة: ج ۸ ص ۲۸۹ وجواهر الكلام: ج ۱۰ ص ۱۱۰ ـ ۱۱۱ وكتاب الخللفي الصلاة: ص ۱۹۸ ومهذّب الأحكام: ج ۶ ص ۴۳۹.

3.. راجع: التعليقة على رياض المسائل: ص ۴۲۳ وكتاب الصلاة للحائري: ص ۲۵۶ ونهاية التقرير: ج ۲ ص ۲۷۲وكتاب الصلاة للأراكي: ج ۲ ص ۲۶۶.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 12493
صفحه از 458
پرینت  ارسال به