التوقيع صدر بعد موته بعدّة سنوات، ولم يرد عنه شيء في التوقيعات الصادرة خلال أيّام ادّعائه وحياته.
ونرى أنّ إمام الزمان عليهالسلام لم يهتمّ بأمر الحلاّج للأسباب الآتية:
۱ ـ افتقار الحلاّج لمكانة معتبرة بين الشيعة، فلم يكن لديه تاريخ ومصداقيّة ومجال مؤّر بضلاله وأباطيله لكي يحدث شرخاً في النهج القويم للتشيّع، أمّا الآخرون ـ كالنُميريّ والشلمغانيّ ـ فقد عُرفوا كشيعة زمناً مديداً، بل حازوا مكانة خاصّة في منظومة الوكالة.
۲ ـ للحلاّج ما يكفي ليجعله عرضة للشكوك والاتّهامات من ادّعاءاته وأعماله وطرقه الأُخرى، مثل: التصوّف، واستخدام الجنّ، والسحر، كما أنّه ليس له كرامة يُعتدّ بها بين الشيعة.
۳ ـ إنّ فطنة ووعي كبار الشيعة حيال هذين الموردين أفضت إلى أن يكون التعريف بالحلاّج لعامّة الناس أكثر سهولة، حتّى إنّ مواجهة أبي سهل النوبختيّ الساخرة له جعلته سخرية للجميع؛ وبناء عليه لايتطلّب أمره موقفاً خاصّاً من إمام العصر عليهالسلام ومنظومة الوكالة.
كما أنّ استنكار الشيعة له بلغ درجة عالية من الحدّة، حتّى قيل: إنّهم طالبوا بقتله، وظنّ بعضهم أنّ الشيعة هم الذين عبّدوا أرضيّة إعدامه بما لديهم من نفوذ وسلطة.۱ غير أنّه لا دليل تاريخيّ متقن على هذا الخبر، فقتله تمّ بيد الحكومة المعاصرة له.
بعد ذلك تواصل تصدّي كبار الشيعة لأتباع الحلاّج الذي ذكره الشيخ المفيد في المسائل الصاغانيّة مصرّحاً بأنّ الحلاّج والعزاقريّ وأمثالهم من المبطلين المعروفين بالفسق والخروج عن الإيمان۲، ومن أجل مجابهتهم ألّف كتاب الردّ على أصحاب الحلاّج۳، ووصفهم بأنّهم أبعد من المجوس والنصارى عن الشريعة الإسلاميّة.۴
1.. العبر في خبر من غبر: ج ۲ ص ۱.
2.. المسائل الصاغانيّة: ص ۵۸.
3.. رجال النجاشي: ج ۱ ص ۴۰۱ الرقم ۱۰۶۷.
4.. قال الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقادات ص ۱۳۴: «الحلاّجية ضرب من أصحاب التصوّف ، وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول... والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم، وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس».