ثمّ جلس في المطاف حتّى فرغ الخطيب من خطبته، وأراد النزول إلى الأسفل، فاعترضه الأعجميّ وأراد أن يضربه، فاصطدمت باب المنبر بوجهه، وفي غضون ذلك هجم الجنود عليه وكالوا له الضربات وجرحوه، ثمّ أخرجوه من باب السلام، واجتمع العامّة ونقلوه إلى المعلاة وأحرقوه هناك.۱
۴۳. منصور أوشيرما الشيشانيّ (تاريخ الادّعاء سنة ۱۲۰۰ ه)
بدأ رجل اسمه منصور أوشيرما ـ من الشيشان ـ حركة ضدّ روسيا سنة ۱۷۸۵م، وتمكّن في العام المذكور من إلحاق هزيمة نكراء بقوّات كاترين الثانية، ولكنّه وقع في قبضتهم سنة ۱۷۹۱م، وتوفّي بالسجن سنة ۱۷۹۴م، فلاقت أصداء هذا الخبر آنذاك موجة ترحيب في إسطنبول باعتبار أنّ حركته تبنّت الدين الإسلامي.۲
وردت عنه معلومات مفصّلة في المصادر الروسيّة والتركيّة والعربيّة، غير أنّها لم تُشر ـ إلاّ قليلاً ـ إلى ادّعائه للمهدويّة، وعنيت به أكثر بصفته مناضلاً شيشانيّاً ثار ضدّ السلطات الروسيّة۳، ولكن اهتمّ بادّعائه المذكور أحدُ علماء المغرب المعاصرين. سافر إلى الشرق لحجّ بيت اللّه، وقدّم معلومات تسترعي الانتباه في هذا الحقل وفي القضايا الجانبيّة للعقيدة المهدويّة في الإسلام.
سافر محمّد بن عبد الوهّاب المكناسيّ إلى الحجّ سنة (۱۲۰۰ ه) الموافق لـ ۱۷۸۵م، وكتب مذكّرات سفره، وأورد فيها خبر هذا المصلح المدّعي للمهدويّة، فقال:
وقد ظاهر رجل يقال له منصور وخبره شائع في هذه البلاد ومذكور، وذلك في سنة مئتين وألف، وهو من قرية من قرى جاجان قوبيا من داغستان في العجم، يقال لأهله لازكي، وبلادهم قريب من بحر خزر، وعليه جمع من الناس، ويزعم أنّه
1.. منائح الكرم: ج ۴ ص ۳۰۲ ـ ۳۰۳، تحصيل المرام في أخبار البيت الحرام: ج ۲ ص ۸۰۰، سمط النجوم العوالي: ج ۴ ص ۵۲۲، التاريخ القويم: ج ۲ ص ۳۴۴.
2.. راجع: مجلّة القدس العربيّ : العدد ۳۷۷۱ ص ۱۳ «مقالة جهود الإصلاح والتحديث في آسيا الوسطى»، تأليف إبراهيم درويش ، نقلاً عن هامش رحلة المكناسيّ : ص ۱۰۵.
3.. كتب عنه كودرز رشتياني ـ بعد بحثه في بعض المصادر الروسيّة ـ فقال: اتّضح أنّ أنصار الشيخ منصور ينظرون إليه على أنّه نوع من المهديّ المنتظر أو زعيم مقدّس، ولا يُعلم مدي إصرار منصور نفسه على ذلك أو تكذيبه له، إلاّ أنّ وقوع عدّة زلازل قويّة إحداها بتاريخ الثاني عشر والثالث عشر من فبراير سنة ۱۷۸۵م ، والأُخرى بتاريخ الرابع من مارس للسنة نفسها في الشيشان وجميع أنحاء القفقاس الشماليّة، وقوع تلك الزلازل أحدث تأثيراً كبيراً في استقطاب اهتمام الساكنين في داغستان والشيشان وزيادة أنصاره، وأيّد الرأي العامّ قول الشيخ منصور في اقتراب آخر الزمان؛ ولذلك اعتبر قادة روسيا في بياناتهم أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله خاتم الأنبياء، والشيخ منصور نبيّ مفترٍ؛ لكي يقلّلوا من أنصاره.
وثمّة وثيقة في أرشيف تركية ـ يحتمل صدورها عن رئاسة وزرائها ـ تنصّ على طلب أئمّة الجمعة والجماعة لعدم مساندة الشيخ منصور في خطبهم بالمساجد العثمانيّة المهمّة، وتأكيدهم أنّه دجّال وليس المهديّ، مصدر تلك الوثيقة كتاب الشيخ منصور ، تأليف قتلي محمّد باتيركري اوغلي تكليف (Batírg_fr_fy uílÿ T_ffkilev Qotlím_fx_fmm_ft) ، وهو من العسكريّين المسلمين في الجيش الروسيّ الذين اشتركوا في الحرب ضدّ العثمانيّين، وتحتمل وفاته في سنة ۱۹۱۷م.
والكتاب المشار إليه طُبع بالمواصفات الآتية: قارالكوا.م.آ، شيخ منصور آناپه، دار روسيا القديمة، بطرسبورغ، ۱۹۱۴م.
KOPOJIbKO Ba M. A. IIIeNX MaHCYP A Hanck NN// PycckaR CTap N Ha. CT/۶ ۱۹۱۴.