عدد الأخبار المتكاثرة في ظهور الرايات السود يعكس جوّاً من الميول المهدويّة لنجاة الأُمّة من أيدي الاُمويّين، تلك الأخبار أوردها عالم الحديث السنّي نعيم بن حمّاد في كتابه الفتن، بعد الملاحم المتعلّقة بابن الزبير، وبدأت ببحث (العلامات في انقطاع مُلك بني أُميّة).۱
ويلوح لنا أنّ بني العبّاس اتّخذوا من الاعتقاد بالمهديّ والمنقذ ذريعة للثورة على بني أُميّة وتسنّم الحكم، فظهرت في هذه الأجواء أحاديث موضوعة تجعل فيهم أصل ادّعاء المهدويّة، وتطبّقه على بني العبّاس بإضافة بعض الخصوصيّات.
وهكذا استفادوا من شخصيّة محمّد بن عبد اللّه الملقّب بالنفس الزكيّة، وبيعتهم له في بداية ثورتهم، ولعلّ الحديث النبويّ المشهور: «المهديُّ مِن وُلدي، اسمُهُ اسمي»، طُبّق على النفس الزكيّة في تلك الأيّام بعد إضافة: «واسم أبيه اسم أبي»؛ لأنّه هو أيضاً من وُلد فاطمة عليهاالسلام، واسمه اسم النبيّ صلىاللهعليهوآله، واسم أبيه مثل اسم والد الرسول.
ينبغي الالتفات إلى أنّ أغلب أخبار الملاحم والفتن في هذا المقطع الزمنيّ إنّما هي لتسقيط الأُمويّين والتمهيد لمجيء العبّاسيّين، وإشاعة أنّ دولتهم أكثر عمراً وبقاءً، ومن ثمّ وُضعت أحاديث ضدّ العبّاسيّن لصالح آخرين بعد عقد أو عقدين من ظهور الاتّجاه الجائر للمنصور. وما ضمّه باب (في خروج بني العبّاس) من أخبار في كتاب الفتن، يكشف عن خروج الرايات السود في القرن الثاني للهجرة لتبرير قيام دولة بني العبّاس.۲