مريم خلفه، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وتكلّم لهم في ذلك بكلام كثير نسبه إلى موسى وسطيح الكاهن وابن عبّاس.۱
ولا نعلم على وجه الدقّة كيف استفاد صالح بن طريف من تعبير «المهديّ»، ولكن لو سلّمنا بمواضيع هذا المصدر، فينبغي الاعتراف بأنّ هذا الموضوع قد طُرح على مائدة الأحداث خلال النصف الأوّل من القرن الثاني للهجرة في المغرب الذي غدا واحداً من مواطن الدعوة المهدويّة فيما بعد.
ذروة الاعتقادات المهدويّة في بداية العصر العبّاسيّ
وصل إرث الاتّجاهات المهدويّة من نهاية العهد الاُمويّ إلى العصر العبّاسيّ، وانتقل من ذلك العهد إلى ما بعده بنحوٍ أكثر نضوجاً كُلّ ما ظهر من متطرّفي الشيعة، سواءأ كانوا من العلويين أو العبّاسيّين.
إحدى أكثر محتويات العقيدة المهدويّة شيوعاً هي: أنّه عندما يسود الظلم جميع ربوع الأرض، حينئذٍ يخرج الإمام المهديّ؛ لاجتثاثه ورفع راية العدل. وعلى هذا الأساس، وبما أنّ الدولة الأُمويّة دولة ظلم وجور، وقد تمنّى المسلمون زوالها عقوداً عديدة، فقد غدت الدعوة إلى ظهور المهديّ أفضل وسيلة للخلاص منها.
وبناء عليه، تهيّأت أوسع أرضيّة لظهور المهديّ في أذهان الناس خلال هذه الفترة، كما حدث منذ تأجُّج الثورات على النظام الأُمويّ في خراسان سنة ۱۱۶ ه تقريباً، حيث ظلّ النداء باسم الإمام المهديّ يتعالى بدون توقّف.
ومن نماذج ذلك ادّعاء الحارث بن سريج، أحد زعماء التمرّد الذي يرى نفسه صاحب الرايات السود وقائدها۲. ويبرز أمامنا حديث يتعلّق بالموضوع حتّى في سنن أبي داود.۳