(المعلّمين الخصوصيّين لأبناء الأُمراء والأشراف) والوراقة. والأمر المهمّ في ذلك أنّ بعضاً منهم استطاع الدخول إلى الجهاز الإداريّ للحكومة العبّاسيّة، والعمل فيه وفي المهن التنفيذيّة.
أكثر ما لاحت هذه الظاهرة في زمن الغيبة الصغرى؛ بسبب نفوذ كثير من رجال الشيعة في الحكم، ثمّ استطاع قسم من كبارهم العاملين في الديوان من الارتقاء الوظيفيّ ليصل إلى منصب وزير، فشغل شخصان من آل فرات في الأقلّ منصب وزير مدّة؛ ممّا هيّأ أرضيّة لحضور أكثر الشيعة ونشاطاتهم في البلاط العبّاسيّ ويوفّر التدقيق في هذا البلاط خلال عصر الغيبة الصغرى فرصةً سانحة للكشف عن أسماء عدد من الكتّاب والأُمناء ورؤاء الدواوين الشيعة.۱
الملاحظة الأُخرى التي تستدعي الوقوف عندها هنا، هي ظاهرة النزوع السياسيّ المحض بين بعض الأُسر الشيعيّة المتنفّذة في عصر الغيبة الصغرى، ممّا جعل الشيعة تبدو وكأنّها حزب أو مجموعة سياسيّة، ممّا حدا برجال الدولة وأصحاب المناصب من أهل السنّة أن يتنبّهوا إلى ضرورة التصدّي بشدّة وحزم أكثر للشيعة.
والشاهد على تلك الظاهرة بروز عوائل مثل بني حمدان والبريديّين ثمّ آل بويه، وسعيهم للوصول إلى مناصب عُليا كأمير الأُمراء، وتشكيل إمارات مستقلّة، والتسلّط على منصب الخلافة.
وعلى الرغم من أنّ هذا النهج أوجد أوضاعاً مساعدة للشيعة إلى حدٍّ ما وخلال مدّة زمنيّة معيّنة في الأقلّ، إلاّ أنّه عرّض المجتمع الشيعيّ فيما بعد إلى أزمات ومصاعب مضاعفة نجمت عن ردود فعل الحكّام من أهل السنّة، ويمكن مشاهدة نموذجها البارز عند ظهور الدولة السلجوقيّة في إيران والعراق، والدولة الأيّوبيّة في مصر، وما ارتكبته من إجراءات تعسّفيّة واسعة ضدّ الشيعة.