والنوّاب في كلامهم على مبدأ التقيّة، واجتناب ذكر اسم الإمام في الأوساط العامّة.۱
ومع بداية خلافة المعتضد (۲۷۹ ـ ۲۸۹ه) انقلبت أوضاع الشيعة وغدت أكثر تعقيداً، فالخليفة الجديد عنيف قاسٍ «سيفه يقطر دماً» كما وصفه الشيخ الطوسيّ۲، فشهدت مدّة حكمه اضطهاد الشيعة وملاحقتهم، وأخذ رجال الأمن العبّاسيّون بمراقبة الشيعة وتفتيش محلاّتهم وأماكن تجمّعاتهم بدقّة.
وأصدر المعتضد سنة ۲۸۲ه أمراً بمضاعفة رصد تحرّكات الشيعة في الكوفة؛ لأنّ أخباراً تناهت إليه بإرسال العلويّين في طبرستان مساعدات ماليّة لشيعة المدينة المذكورة والعلويّين فيها۳، كما أنّ جواسيس الحكومة علموا بخطّة العلويّين بالخروج في الكوفة، فألقوا القبض على قادتهم، وعذّبوهم وقتلوا كثيراً منهم.۴
ويبدو أنّ الحكومة في هذا العهد شكّت بوجود ابن للإمام الحادي عشر، على الرغم من رعاية التقيّة والإجراءات السرّية للشيعة، فأمر المعتضد بإلقاء القبض على مجموعة من الشيعة ووكلاء الإمام وزجّهم في السجون، وبإعادة تفتيش البيت السابق للإمام الحادي عشر في سامرّاء وقتل كلّ منوُجد فيه،وأرسل فرقة من حرسه الخاصّ لتنفيذ هذ المهمّة.۵
إحدى مشاكل الشيعة التي تسبّبت في مضاعفة تشدّد الحكومة حيالهم حينذاك هي الأحداث السياسيّة، وبخاصّة ثورات الفرق الأُخرى المحسوبة على الشيعة، فاضطرّت الحكومة للشكّ وإساءة الظنّ في كلّ المجتمع الشيعيّ. وتكمن الإشارة بنحو خاصّ في هذا الصدد إلى القرامطة ـ وهم فرقة من الإسماعيليّة ـ الذين شرعوا بتحرّكات متطرّفة في الكوفة، توسّع نطاقها بالتدريج ليشمل البحرين وسورية، وعلى الرغم من أنّ تصرّفاتهم
1.. راجع: كمال الدين: ص ۴۸۲.
2.. راجع: الغيبة للطوسيّ : ص ۲۹۶.
3.. راجع: مروج الذهب: ج ۴ ص ۲۶۶.
4.. راجع: المصدر السابق: ج ۴ ص ۶۸۳ والكافي: ج ۱ ص ۵۲۵.
5.. راجع: الغيبة للطوسيّ : ص ۲۴۸.