345
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی

تخالف النهج السياسيّ الشيعيّ العامّ، لكنّهم جرّوا الويلات على الشيعة.

وتأسيساً على ذلك ينبغي أن يبيّن موقف الشيعة ويُذاع حيال هذه الفرق وأعمالهم؛ ولعلّ مقت الإمام المهديّ عليه‏السلام لأبي الخطّاب وأصحابه وأنصاره وعقائدهم ومجالستهم في إحدى توقيعاته، إشارةٌ إلى هذا التطرّف المذهبيّ.۱ وتصبّ في نفس الرافد الحركة العلميّة لعلماء الشيعة في تأليف كتب للردّ على عقائد الغلاة والإسماعيليّة والقرامطة.۲

ومع هذا لم تبلغ مشاكل الشيعة نهايتها في هذا المجال، فاستمرّت محنهم في خلافة المقتدر العبّاسيّ التي شهدت نوعاً من زيادة النشاطات السياسيّة الشيعيّة ونفوذهم في جهاز الحكم. وأشرنا سابقاً إلى أنّه خلال خلافة المقتدر التي امتدّت طويلاً، أتاح ضعف تدبيره مجالاً لظهور سلطات فئويّة مختلفة نفذت إلى جسد الحكم العبّاسيّ؛ فحيناً تزداد قدرة آل فرات الشيعة، وحيناً آخر يتعاظم نفوذ مخالفيهم ـ المخالفون للشيعة ـ في الجهاز التنفيذيّ.

ولم تُجدِ نفعاً جهودُ النائب الثالث للإمام حسين بن روح النوبختيّ في رعاية التقيّة واجتناب خلق الحسّاسيّات في الحكم، وعدم تحريض قوى أمن الدولة ضدّ الشيعة، فاتُّهم بالتعاون مع القرامطة، وأُلقي في السجن زمناً، وفي الوقت ذاته وجّه نفس الاتّهام إلى الوزير الشيعيّ للمقتدر أبي الحسن بن فرات الكوفيّ وابنه، بعد ثلاث دورات وزاريّة، وأُعدِما معاً.۳ وعلى الرغم من اعتقال وقتل أُولئك الأشخاص لكونهم من الشيعة ولنفوذهم السياسيّ في الدولة، إلاّ أنّ النشاطات المتطرّفة للقرامطة وفّرت الذريعة اللاّزمة لهذه الأعمال.

كان للشيعة فرص عمل مختلفة في المدن الإسلاميّة، فإضافة إلى المهن العامّة كالتجارة والمعاملات والحِرف الانتاجية والخدمية، تولّوا بعض الأعمال الثقافيّة كالتعليم والتأديب

1.. كمال الدين: ص ۴۸۵.

2.. راجع: الفهرست للطوسيّ : ص ۱۹۸.

3.. مروج الذهب: ج ۴ ص ۳۰۴.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
344

والنوّاب في كلامهم على مبدأ التقيّة، واجتناب ذكر اسم الإمام في الأوساط العامّة.۱

ومع بداية خلافة المعتضد (۲۷۹ ـ ۲۸۹ه) انقلبت أوضاع الشيعة وغدت أكثر تعقيداً، فالخليفة الجديد عنيف قاسٍ «سيفه يقطر دماً» كما وصفه الشيخ الطوسيّ۲، فشهدت مدّة حكمه اضطهاد الشيعة وملاحقتهم، وأخذ رجال الأمن العبّاسيّون بمراقبة الشيعة وتفتيش محلاّتهم وأماكن تجمّعاتهم بدقّة.

وأصدر المعتضد سنة ۲۸۲ه أمراً بمضاعفة رصد تحرّكات الشيعة في الكوفة؛ لأنّ أخباراً تناهت إليه بإرسال العلويّين في طبرستان مساعدات ماليّة لشيعة المدينة المذكورة والعلويّين فيها۳، كما أنّ جواسيس الحكومة علموا بخطّة العلويّين بالخروج في الكوفة، فألقوا القبض على قادتهم، وعذّبوهم وقتلوا كثيراً منهم.۴

ويبدو أنّ الحكومة في هذا العهد شكّت بوجود ابن للإمام الحادي عشر، على الرغم من رعاية التقيّة والإجراءات السرّية للشيعة، فأمر المعتضد بإلقاء القبض على مجموعة من الشيعة ووكلاء الإمام وزجّهم في السجون، وبإعادة تفتيش البيت السابق للإمام الحادي عشر في سامرّاء وقتل كلّ من‏وُجد فيه،وأرسل فرقة من حرسه الخاصّ لتنفيذ هذ المهمّة.۵

إحدى مشاكل الشيعة التي تسبّبت في مضاعفة تشدّد الحكومة حيالهم حينذاك هي الأحداث السياسيّة، وبخاصّة ثورات الفرق الأُخرى المحسوبة على الشيعة، فاضطرّت الحكومة للشكّ وإساءة الظنّ في كلّ المجتمع الشيعيّ. وتكمن الإشارة بنحو خاصّ في هذا الصدد إلى القرامطة ـ وهم فرقة من الإسماعيليّة ـ الذين شرعوا بتحرّكات متطرّفة في الكوفة، توسّع نطاقها بالتدريج ليشمل البحرين وسورية، وعلى الرغم من أنّ تصرّفاتهم

1.. راجع: كمال الدين: ص ۴۸۲.

2.. راجع: الغيبة للطوسيّ : ص ۲۹۶.

3.. راجع: مروج الذهب: ج ۴ ص ۲۶۶.

4.. راجع: المصدر السابق: ج ۴ ص ۶۸۳ والكافي: ج ۱ ص ۵۲۵.

5.. راجع: الغيبة للطوسيّ : ص ۲۴۸.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14657
صفحه از 518
پرینت  ارسال به