331
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی

فبكى المتوكّلُ بكاءً طويلاً حتّى بلّت دموعُه لحيتَه، وبكى مَن حضره، ثمّ أمر برفع الشراب، ثمّ قال له: يا أبا الحسن، أعليك دَين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار. فأمر بدفعها إليه، وردّه إلى منزله من ساعته مكرّماً.۱

كما سعى المتوكّل لأن يجبر الإمام عليه‏السلام على تأدية أعمال تخالف إرادته ولا تناسب شأنه، فيطلب منه أن يرتدي ملابس فاخرة مثل حاشية المتوكّل ويسير راجلاً في موكبه۲، أو يصرّ عليه ليحضر مجالس لهوه وطربه.۳

مثل هذه الأعمال التي يقترفها المتوكّل إنّما تتوخّى الانتقاص من شخصيّة الإمام عليه‏السلام السامية والتقليل من شعبيّته المتزايدة، ولفشله الذريع في مساعيه قرّر أن يقتله، فألقاه في السجن، وسلّمه لحاجبه المسمّى بسعيد لينفّذ مؤمرته، ولكنّ المتوكّل قُتل قبل ذلك بيد ابنه وقادة جيشه.۴

قلّت ضغوط الحكومة على العلويّين ـ ومنهم الإمام الهادي عليه‏السلام ـ في زمن المنتصر الذي تولّى الحكم بعد أبيه، وواجهت الإمام محن أقلّ من قبل الجهاز الحاكم، مع استمرار اضطهاد الحكّام للشيعة في مختلف البلاد.۵

انقضت بقيّة حياة الإمام الهادي عليه‏السلام في زمن المستعين والمعتزّ، وفي نهاية المطاف استُشهد بمؤمرة دبّرتها حاشية الأخير بعد موت المتوكّل بسبعة أعوام.۶

أمّا إمامة الإمام العسكريّ عليه‏السلام فاستمرّت ستّة أعوام (۲۵۴ ـ ۲۶۰ه)، وعاصر حكم

1.. راجع: مروج الذهب: ج ۴ ص۹۳.

2.. جاء في مهج الدعوات ص ۳۱۸ أنّه أمر الجميع بارتداء ملابس فاخرة.

3.. كشف الغمّة: ج ۳ ص ۱۷۱.

4.. المصدر السابق : ج ۳ ص ۱۸۴، المناقب لابن شهرآشوب: ج ۴ ص۴۰۱.

5.. راجع: دولت عبّاسيان بالفارسيّة: ص ۲۱۸.

6.. مروج الذهب: ج ۴ ص ۱۶۹، تذكرة الخواصّ : ص ۳۶۲، الفصول المهمّة: ص ۲۷۹.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
330

عاش الإمام الهادي عليه‏السلام إلى نهاية حياته في هذه المدينة، وذكر المؤّخون أنّ المتوكّل دبّر له أوضاعاً صعبة ليضعف شخصيّته بين الناس، منها: سؤله إيّاه عن الخلفاء في صدر الإسلام وعن العبّاس عمّ النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله استناداً إلى معرفته بآراء الشيعة في هذا المجال؛ ليعرّض الإمام إلى مواقف محرجة، ولكنّ الإمام عليه‏السلام يخلّص نفسه في كلّ مرّة من الوقوع في حبائله بواسطة إجابات مقتضَبة تحمل أكثر من وجه.۱

ومن أعمال المتوكّل في إلحاق الأذى بالإمام الهادي عليه‏السلام أن أمر جنوده بمداهمة بيت الإمام على حين غرّة، وتفتيشه بحثاً عن أسلحة وأموال ورسائل من الشيعة استناداً إلى تقارير أخبرته بذلك، ولم يظفر الجنود هذه المرّة بشيء أيضاً، ووجدوه وهو يقرأ القرآن، فأحضروه إلى المتوكّل الذي عمد إلى مزيد من الاستخفاف بالإمام، فدعاه إلى شرب الخمر، فلمّا امتنع طلب أن ينشده شعراً وأصرّ عليه، فأنشده:

باتوا عَلى قُلَلِ الأجبالِ تَحرُسُهُم

غُلبُ الرِّجالِ فَما أغنَتهُمُ القُلَلُ

وَاستُنزِلوا بَعدَ عِزٍّ عَن مَعاقِلِهم

فَأُودِعوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزَلوا

ناداهُمُ صارِخٌ مِن بَعدِ ما قُبِروا

أينَ الأسِرَّةُ وَالتّيجانُ وَالحُلَل؟

أينَ الوُجوهُ الَّتي كانَت مُنّعَّمَةً

مِن دونها تُضرَبُ الأَستارُ وَالكِلَلُ

فَأَفصَحَ القَبرُ عَنهُم حينَ ساءَلَهُم

تِلكَ الوُجوهُ عَلَيهَا الدّودُ يَقتَتِلُ

قَد طالَما أكَلوا دَهراً وما شَرِبوا

فَأَصبَحوا بَعدَ طولِ الأَكلِ قَد أُكِلوا

وطالَما عَمَّروا دوراً لِتحصنَهُم

فَفارَقُوا الدّورَ وَالأَهلينَ وَانتَقلَوا

وطالَما كَنَزوا الأَموالَ وَادَّخروا

فَخَلَّفوها عَلَى الأَعداءِ وَارتَحَلوا

أضحَت مَنازِلُهُم قَفراً مُعَطَّلةً

وساكِنوها إلَى الأَجداثِ قَد رَحَلوا

1.. راجع: إعلام الورى: ج ۲ ص ۱۲۵ ومروج الذهب: ج ۴ ص ۹۳.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14683
صفحه از 518
پرینت  ارسال به