عاش الإمام الهادي عليهالسلام إلى نهاية حياته في هذه المدينة، وذكر المؤّخون أنّ المتوكّل دبّر له أوضاعاً صعبة ليضعف شخصيّته بين الناس، منها: سؤله إيّاه عن الخلفاء في صدر الإسلام وعن العبّاس عمّ النبيّ صلىاللهعليهوآله استناداً إلى معرفته بآراء الشيعة في هذا المجال؛ ليعرّض الإمام إلى مواقف محرجة، ولكنّ الإمام عليهالسلام يخلّص نفسه في كلّ مرّة من الوقوع في حبائله بواسطة إجابات مقتضَبة تحمل أكثر من وجه.۱
ومن أعمال المتوكّل في إلحاق الأذى بالإمام الهادي عليهالسلام أن أمر جنوده بمداهمة بيت الإمام على حين غرّة، وتفتيشه بحثاً عن أسلحة وأموال ورسائل من الشيعة استناداً إلى تقارير أخبرته بذلك، ولم يظفر الجنود هذه المرّة بشيء أيضاً، ووجدوه وهو يقرأ القرآن، فأحضروه إلى المتوكّل الذي عمد إلى مزيد من الاستخفاف بالإمام، فدعاه إلى شرب الخمر، فلمّا امتنع طلب أن ينشده شعراً وأصرّ عليه، فأنشده:
باتوا عَلى قُلَلِ الأجبالِ تَحرُسُهُم
غُلبُ الرِّجالِ فَما أغنَتهُمُ القُلَلُ
وَاستُنزِلوا بَعدَ عِزٍّ عَن مَعاقِلِهم
فَأُودِعوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزَلوا
ناداهُمُ صارِخٌ مِن بَعدِ ما قُبِروا
أينَ الأسِرَّةُ وَالتّيجانُ وَالحُلَل؟
أينَ الوُجوهُ الَّتي كانَت مُنّعَّمَةً
مِن دونها تُضرَبُ الأَستارُ وَالكِلَلُ
فَأَفصَحَ القَبرُ عَنهُم حينَ ساءَلَهُم
تِلكَ الوُجوهُ عَلَيهَا الدّودُ يَقتَتِلُ
قَد طالَما أكَلوا دَهراً وما شَرِبوا
فَأَصبَحوا بَعدَ طولِ الأَكلِ قَد أُكِلوا
وطالَما عَمَّروا دوراً لِتحصنَهُم
فَفارَقُوا الدّورَ وَالأَهلينَ وَانتَقلَوا
وطالَما كَنَزوا الأَموالَ وَادَّخروا
فَخَلَّفوها عَلَى الأَعداءِ وَارتَحَلوا
أضحَت مَنازِلُهُم قَفراً مُعَطَّلةً
وساكِنوها إلَى الأَجداثِ قَد رَحَلوا