329
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی

أمضى الإمام العاشر ـ عليّ بن محمّد الهادي عليه‏السلام (۲۱۲ ـ ۲۵۴ه) ـ الثلث الأوّل من إمامته في المدينة بدون مشاكل كبيرة، وما أن تولّى المتوكّل الحكم حتّى بدأت محن الإمام بالظهور، فقد اشتهر المتوكّل بعداوته لأهل البيت عليهم‏السلام والتشديد على الشيعة، وأخذ بالتخوّف من وجود الإمام في المدينة؛ نظراً لثورات العلويّين العديدة في تلك الأعوام ضدّ الحكم العبّاسيّ، ولهذا اتّبع نفس سياسة المأمون في تقريب الإمام منه ليخضع إلى مراقبة وإشراف أكثر، فدعاه إلى مركز حكومته في سامرّاء سنة ۲۳۲ه، وبرّر عمله هذا بالأخبار المُغرِضة التي كان يبعثها إليه عبد اللّه‏ بن محمّد الهاشمي وزوجته من المدينة، وكان يتولّى أُمور الجيش والصلاة فيها، وكانت هذه الأخبار تحكي عن نشاطات الإمام ضدّ الحكم، وجمعه للسلاح والمعدّات.۱

وعلى الرغم من تكذيب الإمام لهذه الوشاية في كتابه إلى المتوكّل، إلاّ أنّ الأخير أخبره في جواب كتابه عزلَه لعبد اللّه‏ بن محمّد الهاشميّ، وطلب منه باحترام أن يتحرّك إلى سامرّاء؛ ولهذا أرسل يحيى بن هرثمة على رأس ثلاثمئة جنديّ ليرافقوه إليها.۲

ولمّا وصل يحيى بن هرثمة إلى المدينة، فتّش بيت الإمام عليه‏السلام، ولم يجد فيه سوى مصحف وكتب دينيّة للدعاء وغيره.۳ وبعد ثلاثة أيّام أجبر الإمام عليه‏السلام على أن ينتقل إلى سامرّاء مع أُسرته.

واستقبله الناس عند وصوله إلى هذه المدينة في بادئ الأمر، إلاّ أنّ المتوكّل واجهه فيما بعد بأُسلوب مشين؛ إذ أمر في اليوم الأوّل بإسكانه ومرافقيه في خان الصعاليك، وهو مكان يقطنه الفقراء والمعدمون، ثمّ نقله إلى بيت خُصّص له.۴

1.. راجع: مقاتل الطالبيّين: ص ۴۸۰ وبحار الأنوار: ج ۵۰ ص ۲۱۱.

2.. راجع: الخرائج والجرائح: ج ۱ ص ۳۹۳ ح ۲ وبحار الأنوار: ج ۵۰ ص ۱۴۲.

3.. راجع: مروج الذهب: ج ۴ ص ۹۳ وتذكرة الخواصّ : ص ۳۶۰.

4.. راجع: الإرشاد: ج ۲ ص ۳۱۱.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
328

فالسبب الأساسيّ للضغط على أهل البيت عليهم‏السلام واضطهادهم هي تلك المنزلة الشعبيّة الجليلة، وبخاصّة في عهد انتقال السلطة السياسيّة من الخليفة إلى الوزراء غير العرب فتعاظم التشدّد، كما في عهد البرامكة والأتراك حيث ازداد اضطهادهم للأئمّة عليهم‏السلام وسجنهم ونفيهم، وكلّ ذلك يعكس رعبهم من التفاف الناس حول أئمّة الشيعة، وإلاّ فلا يوجد مبرّر لكي تلحق الحكومة الإساءة والضرر بعابد متعفّف وتشوّه سمعته بين الناس.

ويلاحظ في هذا العصركثرة المتصوّفة الذين جلبوا اهتمام الناس والحكومة بظاهرهم الورع، ولكنّ الحكّام لم يُبدوا أيّ معارضة حيالهم، ولهذا فتشدّدهم على أهل البيت عليهم‏السلام وإنزال الأذى بهم ناجم عن خوفهم من انتشار الفكر الشيعيّ وقداسة الأئمّة بين الناس.

ه ـ ميزة أُخرى ينبغي أن يُعنى بها في تحليل أحداث هذه الفترة، هي السمات الخاصّة بالخلفاء العبّاسيّين، والأشخاص المؤّرين في بلاطهم، ومراكز السلطة وبخاصّة قادة الجيش. فمثلاً تشدُّد المتوكّل أو سعيُه للنيل من الشخصيّة المقدّسة للإمام الهادي عليه‏السلام مأخوذ من عنفه وسوء تدبيره،وكذلك اضطهاده للشيعة في منع زيارة كربلاء، وغيرها من الإجراءات. ومثلها تسلّط أشناس التركيّ، وقوّة المهتدي في قمع أعمال الشغب، أو إلقاء الاختلافات بين الأتراك؛ كلّ أُولئك من صفاتهم الشخصيّة.

مجموع تلك الحوادث تسبّب في تصعيد وتيرة العنف في المجتمع، بحيث أصبح اغتيال الخلفاء أو تغييرهم والقتل والإغارة على الأموال والسعاية والعداوة من القضايا العاديّة والشائعة.

۳. الأئمّة والخلافة العبّاسيّة

تعدّ السنوات التي دنت من غيبة الإمام المهديّ عليه‏السلام زمناً صعباً على الأئمّة والشيعة، فواجهتهم مشاكل ومضايقات كثيرة من قبل الحكومة والجوّ السائد في المجتمع، ويكفي لبيان هذه الأوضاع نفي الإمامين الهادي والعسكريّ عليهماالسلام والتضييق عليهما.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14310
صفحه از 518
پرینت  ارسال به