أ ـ خسرت الخلافة العبّاسيّة قوّتها السياسيّة في منتصف القرن الثالث الهجريّ، وبخاصّة بعد موت المتوكّل، فغدا الخلفاء العبّاسيّون أحياناً موظّفين لا إرادة لهم، تسيّرهم أيادي الأتراك الذين تولّوا تدبير أُمور الجيش والدولة؛ ولهذا تحكّموا في عزل خليفة وتنصيب آخر محلّه، وهو لا يملك جرأة وشجاعة على مواجهتهم؛ إذ قتلت حاشية البلاط ثلاثة أو أربعة خلفاء في هذا العهد.
ب ـ تسبّبت الحكومات المحلّية في تقسيم الخلافة العبّاسيّة، فتشكّل في هذا العهد مايقرب من عشر دول محلّية في إيران والشام وأفريقيا، بعض منها بيد القادة الذين تنصّبهم الخلافة العبّاسيّة، فينادون بالاستقلال ويرفضون ولاية العبّاسيّين.
وبعضهم كالسامانيّين والطاهريّين على الرغم من ادّعائهم الانقياد لأوامر الحكومة المركزيّة، ولكنّهم استقلّوا في أُمورهم السياسيّة والثقافيّة.
ج ـ تميّز عمل الشيعة أو الأشخاص الذين لهم ميول للأئمّة في هذا العهد عن العهود السابقة تماماً، فبعض الحكومات المستقلّة التي ظهرت في المناطق الإسلاميّة انتمت إلى المذهب الشيعيّ، منها حكومة العلويّين في طبرستان، والفاطميّين في أفريقيا ومصر، والحمدانيّين في الموصل وحلب، فغادر الشيعة قوقعة عزلتهم، وعرضوا أنفسهم على أنّهم من مدّعي الحكم.
وبلغ هذا الوضع ذروته في عهد آل بويه (۳۲۴ ـ ۴۴۷ه) الذين تمكّنوا من إبعاد الوزراء الأتراك وانتزاع السلطة المركزيّة منهم في البلاط العبّاسيّ.
د ـ ضعف الحكومة العبّاسيّة المركزيّة والخلفاء العبّاسيّين يسترعي الانتباه من زاوية أُخرى، فأئمّة الشيعة جديرون بالزعامة ومعارضة الحكم بالقوّة، ولم يكونوا مغمورين أو منعزلين عن المجتمع الإسلاميّ، وهكذا استفاد المأمون من عظيم منزلة الإمام الرضا عليهالسلام بين الناس لمواجهة النواة المركزيّة لبني العبّاس، وعزّز سيطرته وقدرته في السلطة السياسيّة للنظام العبّاسيّ.