فَقَرَأتُ ونِمتُ.
فَلَمّا كانَ فِي (اللَّيلَةِ)۱ الثّالِثَةِ جاءَ الرَّجُلُ وقالَ: يا فُلانَةُ قَد جاءَكِ مَن يَدعوكِ، ويَقرَعُ البابَ فَاذهَبي مَعَهُ. وسَمِعتُ دَقَّ البابِ فَقُمتُ وَراءَ البابِ وقُلتُ: مَن هذا ؟ فَقالَ: اِفتَحي ولا تَخافي، فَعَرَفتُ كَلامَهُ وفَتَحتُ البابَ، فَإِذا خادِمٌ مَعَهُ إزارٌ فَقالَ:
يَحتاجُ إلَيكِ بَعضُ الجيرانِ لِحاجَةٍ مُهِمَّةٍ، فَادخُلي، ولَفَّ رَأسي بِالمُلاءَةِ وأَدخَلَنِي الدّارَ وأَنَا أعرِفُها، فَإِذا بِشِقاقٍ۲ مَشدودَةٍ وَسَطَ الدّارِ ورَجُلٌ قاعِدٌ بِجَنبِ الشِّقاقِ، فَرَفَعَ الخادِمُ طَرَفَهُ فَدَخَلتُ، وإذَا امرَأَةٌ قَد أخَذَهَا الطَّلقُ، وَامرَأَةٌ قاعِدَةٌ خَلفَها كَأَنَّها تُقَبِّلُها.
فَقالَتِ المَرأَةُ: تُعينُنا فيما نَحنُ فيهِ ؟ فَعالَجتُها بِما يُعالَجُ بِهِ مِثلُها، فَما كانَ إلاّ قَليلاً حَتّى سَقَطَ غُلامٌ، فَأَخَذتُهُ عَلى كَفّي وصِحتُ: غُلامٌ غُلامٌ، وأَخرَجتُ رَأسي مِن طَرَفِ الشِّقاقِ اُبَشِّرُ الرَّجُلَ القاعِدَ، فَقيلَ لي: لا تَصيحي، فَلَمّا رَدَدتُ وَجهي إلَى الغُلامِ قَد كُنتُ فَقَدتُهُ مِن كَفّي، فَقالَت لِيَ المَرأَةُ القاعِدَةُ: لا تَصيحي، وأَخَذَ الخادِمُ بِيَدي ولَفَّ رَأسي بِالمُلاءَةِ، وأَخرَجَني مِنَ الدّارِ، ورَدَّني إلى داري، وناوَلَني صُرَّةً وقالَ لي: لا تُخبِري بِما رَأَيتِ أحَدا.
فَدَخَلتُ الدّارَ ورَجَعتُ إلى فِراشي في هذَا البَيتِ، وَابنَتي نائِمَةٌ بَعدُ، فَأَنبَهتُها وسَأَلتُها: هَل عَلِمتِ بِخُروجي ورُجوعي ؟ فَقالَت: لا، وفَتَحتُ الصُّرَّةَ في ذلِكَ الوَقتِ، وإذا فيها عَشَرَةُ دَنانيرَ عَدَدا، وما أخبَرتُ بِهذا أحَدا إلاّ في هذَا الوَقتِ لَمّا تَكَلَّمتَ بِهذَا الكَلامِ عَلى حَدِّ الهُزءِ، فَحَدَّثتُكَ إشفاقا عَلَيكَ، فَإِنَّ لِهؤُلاءِ القَومِ عِندَ