ثقافيّة أكثر سطوعاً، فأوّلهما صرّح الإمامان العسكريّ والمهديّ عليهماالسلام بوثاقته، ومنحه ذلك زخماً عالياً للإجابة عمّا دار من شبهات ثقافيّة متزايدة؛ وثانيهما أعلن بعد انحراف الشلمغاني وضلالته جوازَ الاستفادة من كتبه التي ألّفها في زمن استقامته، واستند إلى قول الإمام العسكريّ فيما يتعلّق بكتب ابن فضّال، حيث قال: «خُذُوا ما رَوَوا، وذروا ما رَأَوا».۱
وبيّنت أخبار كثيرة مظهرا آخر عكس الوظيفة الثقافيّة لنظام الوكالة، ويتمثّل في إيصال الأسئلة العلميّة لعلماء الشيعة إلى الإمام والعودة بجوابه إليهم، ومن أمثلتها الأسئلة العديدة لمحمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، وأجوبة الإمام عليهالسلام عنها.۲
وترتكز الرؤة الشيعيّة ـ وبخاصّة العلماء ـ لمنصب الإمامة على محور علمي ثقافي، ولمّا مثّل الوكلاء حلقة وصل بالإمامة، فقد حازوا منزلة ثقافيّة خاصّة.
جدير بالذكر أنّ الواجب الأساسيّ للفقهاء والمتكلّمين هو حلّ المشاكل العلميّة، ولكن في حالات معيّنة متأزّمة لايتمكّن فيها حتّى العلماء من إيجاد حلول لها، ينزل الوكلاء إلى الميدان ليهيّئوا الأرضيّات الكفيلة بانفراج الأزمات.
۳. المجال السياسيّ الاجتماعيّ
على الرغم من أنّ الوكالة تبدو كنظام اقتصاديّ وثقافيّ للوهلة الأُولى، غير أنّ لخصائصها السياسيّة والاجتماعيّة أهمّية خاصّة.
ففي مرحلة ما بعد بداية غيبة الإمام عليهالسلام، تولّى نظام الوكالة والنوّاب الخاصّون الزعامة السياسيّة والاجتماعيّة للشيعة بصفتهم وكلاء الإمام وخلفاؤه، وتعدّ قيادة المجتمع الشيعيّ في هذه الحقبة الزمنيّة المعقّدة المتأزّمة أهمّ وظيفة للنوّاب الخاصّين والوكلاء؛ لأنّهم مصدر الثقل الوحيد للمجتمع حينذاك.