قالَت حَكيمَةُ: فَلَمّا كانَ بَعدَ أربَعينَ يَوما رُدَّ الغُلامُ، ووَجَّهَ إلَيَّ ابنُ أخي عليهالسلام فَدَعاني، فَدَخَلتُ عَلَيهِ فَإِذا أنَا بِالصَّبِيِّ مُتَحَرِّكٌ يَمشي بَينَ يَدَيهِ، فَقُلتُ: يا سَيِّدي هذَا ابنُ سَنَتَينِ ! فَتَبَسَّمَ عليهالسلام ثُمَّ قالَ: إنَّ أولادَ الأَنبِياءِ وَالأَوصِياءِ إذا كانوا أئِمَّةً يَنشَؤونَ بِخِلافِ ما يَنشَأُ غَيرُهُم، وإنَّ الصَّبِيَّ مِنّا إذا كانَ أتى عَلَيهِ شَهرٌ كانَ كَمَن أتى عَلَيهِ سَنَةٌ، وإنَّ الصَّبِيَّ مِنّا لَيَتَكَلَّمُ في بَطنِ اُمِّهِ، ويَقرَأُ القُرآنَ، ويَعبُدُ رَبَّهُ عز و جل، وعِندَ الرِّضاعِ تُطيعُهُ المَلائِكَةُ وتَنزِلُ عَلَيهِ صَباحا ومَساءً.
قالَت حَكيمَةُ: فَلَم أزَل أرى ذلِكَ الصَّبِيَّ في كُلِّ أربَعينَ يَوما، إلى أن رَأَيتُهُ رَجُلاً قَبلَ مُضِيِّ أبي مُحَمَّدٍ عليهالسلام بِأَيّامٍ قَلائِلَ فَلَم أعرِفهُ، فَقُلتُ لاِبنِ أخي عليهالسلام: مَن هذَا الَّذي تَأمُرُني أن أجلِسَ بَينَ يَدَيهِ ؟ فَقالَ لي: هذَا ابنُ نَرجِسَ، وهذا خَليفَتي مِن بَعدي، وعَن قَليلٍ تَفقِدوني، فَاسمَعي لَهُ وأَطيعي.
قالَت حَكيمَةُ: فَمَضى أبو مُحَمَّدٍ عليهالسلام بَعدَ ذلِكَ بِأَيّامٍ قَلائِلَ، وَافتَرَقَ النّاسُ كَما تَرى، ووَاللّهِ إنّي لَأَراهُ صَباحا ومَساءً، وإنَّهُ لَيُنبِئُني عَمّا تَسألونَ عَنهُ فَأُخبِرُكُم، ووَاللّهِ إنّي لاَُريدُ أن أسأَلَهُ عَنِ الشَّيءِ فَيَبدَأُني بِهِ، وإنَّهُ لَيَرِدُ عَلَيَّ الأَمرُ فَيَخرُجُ إلَيَّ مِنهُ جَوابُهُ مِن ساعَتِهِ مِن غَيرِ مَسأَلَتي. وقَد أخبَرَنِي البارِحَةَ بِمَجيئِكَ إلَيَّ وأَمَرَني أن اُخبِرَكَ بِالحَقِّ.
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ: فَوَ اللّهِ، لَقَد أخبَرَتني حَكيمَةُ بِأَشياءَ لَم يَطَّلِع عَلَيها أحَدٌ إلاَّ اللّهُ عز و جل، فَعَلِمتُ أنَّ ذلِكَ صِدقٌ وعَدلٌ مِنَ اللّهِ عز و جل ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل قَد أطلَعَهُ عَلى ما لَم يُطلِع عَلَيهِ أحَدا مِن خَلقِهِ.۱
۳۴۶.الغيبة للطوسيّ: أحمَدُ بنُ عَلِيٍّ الرّازِيُّ، عَن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَن حَنظَلَةَ بنِ زَكَرِيّا، قالَ: حَدَّثَني أحمَدُ بنُ بِلالِ بنِ داودَ الكاتِبُ، وكانَ عامِّيّا بِمَحَلٍّ مِنَ النَّصَبِ