287
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی

في زمن يدنو من سبعين سنة حفّت بها أشرس ممارسات القمع السياسيّ والاجتماعيّ للعبّاسيّين، استطاع تنسيق المجتمع الشيعيّ والتمهيد للشيعة وثقافتهم للدخول في مرحلة الغيبة الكبرى.

وبعبارة أُخرى: تغيّر التواصل بين الشيعة وأئمّتهم خلال سنة ۱۲۰ ـ ۲۶۰هـ من اتّصال مباشر بمنحىً مناسب، إلى اتّصال غير مباشرعن طريق الوكلاء الخاصّين، واكتسب الاتّصال غير المباشر بالإمام طابعاً تنظيميّاً خلال سنة ۲۶۰ ـ ۳۲۹ه، ثمّ تغيّر من الاتّصال بنظام الوكالة والوكلاء الخاصّين إلى اتّصال بالنواب العامّين والفقهاء.

وتقبّل المجتمع الشيعيّ قيادة من نوع جديدة، وخاض تجربته معها، واجتاز بخطىً مشرّفة مرحلة الحضور ليدخل أبواب عصر الغيبة.

بحثنا التالي سيمرّ بإيجاز على بواعث تأسيس نظام الوكالة ووظائف هذا النظام، ومداه الجغرافيّ من بدايته إلى عهد الغيبة، واتّصال الوكلاء داخل التنظيم، والسلبيّات التي ظهرت في هذه المجموعة، وغيرها من البحوث المتّصلة بنظام الوكالة.

بواعث تأسيس نظام الوكالة وشيوعه

إنّ تأسيس وانتشار نظام الوكالة منتزع من العوامل السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة الآتية:

۱. ازدياد أعداد الشيعة

لم يبلغ نفوس الشيعة العقائديّين ـ لا السياسيّين ـ أرقاماً كثيرة بعد رحلة رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، فتيسّر اتّصالهم أو اتّصال أشخاص معيّنين منهم بالإمام عليه‏السلام. ولم يزدد عددهم كثيراً في عهد معاوية وتشدّده، كما تعرّض قسم من هذا العدد القليل إلى الشهادة في انتفاضة عاشوراء أو للاعتقال بعدها، بحيث بلغ عدد محبّي أهل البيت عليهم‏السلام خمسة عشر شخصاً في المدينة بعد الرجوع من كربلاء وفقاً لقول الإمام زين العابدين عليه‏السلام.

ثمّ شهدت الأعوام الأُولى من القرن الثاني للهجرة تزايداً في أعداد محبّي


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
286

واختار الإمام زين العابدين عليه‏السلام أشخاصاً معيّنين، كأبي خالد الكابليّ وأبي حمزة الثماليّ ويحيى بن أُمّ طويل، بصفتهم مبعوثين له يرتبط عن طريقهم بأهل الكوفة وبقيّة المناطق، ويُقيمون اتّصالاً علميّاً محدوداً بين الإمام عليه‏السلام وبين الشيعة.

حتّى ذلك الوقت لم يتميّز الشيعة عن أهل السنّة بنحو واضح، وعلى الرغم من إخفائهم لمحبّة أهل البيت عليهم‏السلام في صدورهم، إلاّ أنّهم تعايشوا مع عامّة أهل السنّة ولم يظهروا كفرقة متميّزة بمعتقدات خاصّة، كما أنّ السنّيين لم يبتلوا بالتفرقة، ولم تظهر بينهم المذاهب الكلاميّة والفقهيّة بعد.

وشكّل عهد الإمام الباقر عليه‏السلام منعطفاً في تاريخ المجتمع الشيعيّ؛ إذ تزايدت أعداد الشيعة وأُضيفت مساحات جغرافيّة جديدة إلى مناطقهم السكنيّة، واهتمّوا بتنظيم أُمورهم من الناحية الفكريّة والاجتماعيّة والثقافيّة والتواصليّة، واعتبروا ذلك محوراً لتجمّعهم، فغدت الهويّة الخاصّة بالشخصيّة الشيعيّة آنذاك سبباً لتماسكهم والتعاون فيما بينهم، وأصبح الاتّصال العلميّ بين الإمام والشيعة أكثر اتّساعاً ممّا هو عليه في السابق، وتجسّدت الحاجة إلى نظام وتشكيلات لتمنح تنظيماً للشيعة وترتّب اتّصالهم بالإمام عليه‏السلام.

وعهد الإمام الصادق عليه‏السلام يعدّ بداية لتطوير نظام الوكالة۱ عن الإمام ليشدّ أواصر الاتّصال والتعامل بينه وبين الشيعة.

ثمّ شهدت الأعوام التالية توسعة سريعة لأعداد الشيعة ومناطقهم الجغرافيّة، وتوسّع تبعاً لها نظام الوكالة نظراً لتأثيره الكبير في الاتّصال بين الإمام وشيعته.

ووصل هذا النظام إلى أعلى حدود كماله في عهد الإمامين الهادي والعسكريّ عليهماالسلام، ويسّر الورود على مرحلة الغيبة باستحداثه شبكة اتّصالات آمنة، وأدّى مهمّة قيادة الشيعة بجدارة في هذه الفترة الخطرة.

أمّا ذروة فاعليّة نظام الوكالة في المجتمع الشيعيّ فعاشه عهد الغيبة الصغرى؛ إذ استطاع

1.. هناك ثلاثة اصطلاحات تطلق على النظام الذي يربط بين الإمام والناس، وهي: «الناحية» و«الناحية المقدّسة» «ناحية الإمامة».

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14171
صفحه از 518
پرینت  ارسال به