واختار الإمام زين العابدين عليهالسلام أشخاصاً معيّنين، كأبي خالد الكابليّ وأبي حمزة الثماليّ ويحيى بن أُمّ طويل، بصفتهم مبعوثين له يرتبط عن طريقهم بأهل الكوفة وبقيّة المناطق، ويُقيمون اتّصالاً علميّاً محدوداً بين الإمام عليهالسلام وبين الشيعة.
حتّى ذلك الوقت لم يتميّز الشيعة عن أهل السنّة بنحو واضح، وعلى الرغم من إخفائهم لمحبّة أهل البيت عليهمالسلام في صدورهم، إلاّ أنّهم تعايشوا مع عامّة أهل السنّة ولم يظهروا كفرقة متميّزة بمعتقدات خاصّة، كما أنّ السنّيين لم يبتلوا بالتفرقة، ولم تظهر بينهم المذاهب الكلاميّة والفقهيّة بعد.
وشكّل عهد الإمام الباقر عليهالسلام منعطفاً في تاريخ المجتمع الشيعيّ؛ إذ تزايدت أعداد الشيعة وأُضيفت مساحات جغرافيّة جديدة إلى مناطقهم السكنيّة، واهتمّوا بتنظيم أُمورهم من الناحية الفكريّة والاجتماعيّة والثقافيّة والتواصليّة، واعتبروا ذلك محوراً لتجمّعهم، فغدت الهويّة الخاصّة بالشخصيّة الشيعيّة آنذاك سبباً لتماسكهم والتعاون فيما بينهم، وأصبح الاتّصال العلميّ بين الإمام والشيعة أكثر اتّساعاً ممّا هو عليه في السابق، وتجسّدت الحاجة إلى نظام وتشكيلات لتمنح تنظيماً للشيعة وترتّب اتّصالهم بالإمام عليهالسلام.
وعهد الإمام الصادق عليهالسلام يعدّ بداية لتطوير نظام الوكالة۱ عن الإمام ليشدّ أواصر الاتّصال والتعامل بينه وبين الشيعة.
ثمّ شهدت الأعوام التالية توسعة سريعة لأعداد الشيعة ومناطقهم الجغرافيّة، وتوسّع تبعاً لها نظام الوكالة نظراً لتأثيره الكبير في الاتّصال بين الإمام وشيعته.
ووصل هذا النظام إلى أعلى حدود كماله في عهد الإمامين الهادي والعسكريّ عليهماالسلام، ويسّر الورود على مرحلة الغيبة باستحداثه شبكة اتّصالات آمنة، وأدّى مهمّة قيادة الشيعة بجدارة في هذه الفترة الخطرة.
أمّا ذروة فاعليّة نظام الوكالة في المجتمع الشيعيّ فعاشه عهد الغيبة الصغرى؛ إذ استطاع