279
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی

إن غابَ عَنِ النّاسِ شَخصُهُ في حالِ هِدايَتِهِم، فَإِنَّ عِلمَهُ وآدابَهُ في قُلوبِ المُؤِنينَ مُثبَتَةٌ، فَهُم بِها عامِلونَ.۱

۲. إنجاز المهامّ الإلهيّة الخاصّة

أفادت أخبار كثيرة ـ لعلّها بلغت حدّ التواتر في المصادر الشيعيّة۲ ـ أنّ مجموعة من الخواصّ تشرّفوا برؤة الإمام المهديّ عليه‏السلام ونهلوا من بركات لقائه وإرشاداته ومؤزرته، ويُستشفّ من هذه الأخبار ـ التي يحرز صحّتها الإجماليّة كلّ باحث منصف ـ أنّ للإمام الغائب مهمّات خاصّة استناداً إلى المشيئة الإلهيّة بجانب دوره في النظام التكوينيّ؛ من قبيل مهامّ العالِم المعاصر للنبيّ موسى عليه‏السلام المذكورة في سورة الكهف۳، كما أنّ إمامة الجنّ۴ من المهمّات الخاصّة للإمام الغائب أيضاً.

۳. واسطة الفيض الإلهي

ذكرت التعاليم القطعيّة في أحاديث أهل البيت عليهم‏السلام أنّ الإمام (ويشمل الأنبياء وأوصياءهم) هو الواسطة للفيض الإلهيّ، والمُجري لما يقدّره منذ بداية خلقة الإنسان إلى نهاية العالم، ولهذا يتشرّف الملائكة والروح في ليلة القدر من كلّ عام بالحضور لدى الإمام، كما أشار إلى ذلك الحديث الآتي لرسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله:

آمِنوا بِلَيلَةِ القَدرِ، إنَّها تَكونُ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ و لِوُلدِهِ الأَحَدَ عَشَرَ مِن بَعدي.۵

وجاء في حديث آخر عن أمير المؤنين عليه‏السلام:

إنَّ لَيلَةَ القَدرِ في كلِّ سَنَةٍ، و إنَّهُ يَنزِلُ في تِلكَ اللَّيلَةِ أمرُ السَّنَةِ، ولِذلِكَ الأَمرِ وُلاةٌ بَعدَ رَسولِ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله.

1.. راجع: ص ۲۵۹ ح ۵۹۰.

2.. راجع: بحار الأنوار: ج ۵۲ ص ۱۶۸ فما بعدها و ج ۵۳ والنجم الثاقب و دار السلام و... .

3.. الكهف: ۶۲ فما بعدها.

4.. راجع: الكافي: ج ۱ ص ۳۹۴ باب «أنّ الجِنَّ يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم و يتوجَّهون في أُمورهم».

5.. الكافي: ج ۱ ص ۵۳۳ ح ۱۲، بحار الأنوار:ج ۹۷ ص ۱۵ ح ۲۶.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
278

ثانياً: كثيراً ما يحدث أن يرشد شخص أحداً بعمل حسن دون أن يتلزم هو بذلك العمل، في حين أنّ الأشياء والأئمّة الأطهار ترتبط هدايتهم للبشر باللّه‏ جلّ وعلا، ويستحيل أن يشاهَد عندهم هذه الحالة؛ وهو عدم الالتزام بالقول أو العمل به، فهم العاملون بمبادئ الدين الذي هم قادته وأئمّته، وهم متّصفون بروح معنوية سامية يرشدون بها الناس، ويهدونهم إلى الطريق القويم.

فإذا أراد اللّه‏ سبحانه أن يجعل هداية أُمّة على يد فرد من أفرادها، يربّي ذلك الفرد تربية صالحة تؤهّله للقيادة والإمامة، ولن تجد لسنّة اللّه‏ تبديلاً.

مما تقدّم نستطيع أن نحصل على النتائج التالية:

۱ ـ إنّ النبيّ أو الإمام لكلّ أُمة يمتاز بسموّ روحي وحياة معنويّة رفيعة، وهو يريد هداية الناس إلى هذه الحياة.

۲ ـ بما أنّهم قادة وأئمّة لجميع أفراد ذلك المجتمع، فهم أفضل من سواهم.

۳ ـ إنّ الذي يصبح قائداً للاُمّة بأمر من اللّه‏ تعالى، فهو قائد للحياة الظاهرية والحياة المعنوية معاً، وما يتعلّق بهما من أعمال تسير مع سيره ونهجه.۱

وعلى هذا الأساس، فوظيفة الإمام ليست الإرشاد التشريعيّ للناس فقط لكي ينحصر إرشاده بمرحلة الظهور والحضور، بل في عهدته أيضاً الولاية والقيادة الباطنيّة للناس أيضاً، وبديهيّ أن لا دور لحضور الإمام أو غيبته في ذلك.

ويمكن للأحاديث الحاكية عن انتفاع قلوب أهل الإيمان من علم وأدب الإمام الغائب أن تكون إشارة أيضاً إلى الإمامة الباطنيّة له، مثل هذا الحديث:

1.. الشيعة في الإسلام: ص ۱۷۷. وجاء في هامشه: «وَ جَعَلْنَـهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ تِ...» الانبياء: الآية ۷۳، «وَ جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا» السجدة: الآية ۲۴. ويستفاد من الآيات المتقدمة وما شابهها، أنّ الإمام ـ فضلاً عن الإرشاد والهداية الظاهرية ـ يختصّ بنوع من الهداية المعنوية، ويعتبر من سنخ عالم الأمر والتجرّد، فهو بواسطة الحقيقة والنور الباطني الذي يتّصف به يستطيع أن يؤثّر في القلوب المهيّأة، وأن يتصرّف بها كيفما شاء، ويسيّرها نحو مراتب الكمال والغاية المتَوخّاة، فتأمّل.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14612
صفحه از 518
پرینت  ارسال به