277
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی

ولإثبات هذه القضية قال في كتابه الشيعة في الإسلام:

في عنوان «الإمامة في باطن الأعمال» من مبحث معرفة الإمام:

كما أنّ الإمام قائد وزعيم للاُمّة بالنسبة للظاهر من الأعمال، فهو قائد وزعيم بالنسبة للباطن من الاعتقادات والأعمال أيضاً، فهو الهادي والقائد للإنسانية من الناحية المعنوية نحو خالق الكون وموجده.

لكي تتّضح هذه الحقيقة لا بدّ من مراعاة المقدّمتين التاليتين:

أوّلاً: ليس هناك من شكّ أو تردّد في أنّ الإسلام وسائر الأديان السماوية تصرّح بأنّ الطريق الوحيد لسعادة الإنسان أو شقائه هو ما يقوم به من أعمال حسنة أو سيئة، فالدّين يرشده، كما أن فطرته ـ وهي الفطرة الإلهية ـ تهديه إلى إدراك الحسن والقبيح.

...

وليس هناك أدنى شكّ من أنّ اللّه‏ تعالى يفوق تصوّرنا وما يجول في أذهاننا، ولكنّه لا يتّصف بصفة البشر من حيث التفكير. وليس لهذه الاتّفاقية أن يكون هناك سيّد ومَسود وقائد ومَقود، وأمر ونهي وثواب وعقاب، واقع خارجي سوى في حياتنا الاجتماعية، أمّا الجهاز الإلهي فهو الجهاز الكوني الذي يربط حياة كلّ مخلوق وكائن باللّه‏ الخالق ربطاً وثيقاً.

يستنتج ممّا تقدّم أنّ هناك ارتباطاً بين الأعمال الحسنة والسيّئة من جهة، والحياة الاُخرى بما تمتاز به من خصائص وصفات من جهة اُخرى؛ ارتباطاً واقعياً، تكشف عن سعادة أو شقاء. وبعبارة أوضح: إنّ كلّ عمل من الأعمال الحسنة والسيّئة تولد في الإنسان حقيقة، والحياة الاُخروية ترتبط بهذه الحقيقة ارتباطاً وثيقاً.

وخلاصة القول: إنّ الإنسان يتّصف بحياة باطنية غير الحياة الظاهرية التي يعيشها، والتي تنبع من أعماله، وترتبط حياته الاُخروية بهذه الأعمال والأفعال التي يمارسها في حياته هنا.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
276

تعني الإيصال إلى الهدف. وما يسترعي الانتباه أنّ شرط حيازة الهداية الخاصّة هو اتّباع هدايته العامّة.

وتتشكّل الهداية بالمعنى الأوّل بلاشكّ عن طريق الأنبياء وأوصيائهم، بل إنّ الهداية بالمعنى الثاني تتأتّى أيضاً عن طريقهم استناداً إلى بعض الأحاديث؛ منها الحديث الآتي المنقول بسند معتبر عن الإمام الباقر عليه‏السلام:

لَنورُ الإِمامِ في قُلوبِ المُؤِنينَ أنوَرُ مِنَ الشَّمسِ المُضيئَةِ بِالنَّهارِ، وهُمُ الَّذينَ يُنَوِّرونَ قُلوبَ المُؤِنينَ، ويَحجُبُ اللّه‏ُ نورَهُم عَمَّن يَشاءُ، فَتُظلَمُ قُلوبُهُم ويَغشاهُم بِها.۱

ويمكن أن يعدّ هذا القول إشارة إلى أنّ دور الأنبياء وأوصيائهم الذين وصلوا إلى الولاية التكوينيّة لايكمن فقط في إراءة طريق الكمال، بل إنّهم يربّون ضمير الإنسان المؤّل وباطنه ونفسه بأشعّة أنوارهم الروحيّة، ويقودونه نحو الكمال المطلق الذي هو الهدف من الحركة الإنسانيّة.

قال العلاّمة الطباطبائيّ في بيان دور الإمام في الهداية الباطنيّة للبشر:

من يحمل درجات القرب ويكون أميراً لقافلة أهل الولاية، ويصون علاقة الإنسانيّة بهذه الحقيقة، يُطلق عليه اسم «الإمام». والإمام: هو من اختاره اللّه‏ سبحانه لقيادة طريق الولاية، وأخذ بزمام الهداية المعنويّة. والولاية التي تتألّق في قلوب العباد هي أشعة وخطوط نورانيّة من مركز أنواره، والمواهب المتنوعّة هي نُهَيرات تتّصل ببحره الذي لا نهاية له.۲

فالإمام هادٍ يهدي بأمر ملكوتيّ يصاحبه، فالإمامة بحسب الباطن نحوُ ولايةٍ للناس في أعمالهم، وهدايتها إيصالها إيّاهم إلى المطلوب بأمر اللّه‏، دون مجرّد إراءة الطريق الذي هو شأن النبيّ والرسول، وكلّ مؤن يهدي إلى اللّه‏ سبحانه بالنصح والموعظة الحسنة.۳

1.. راجع: ص ۲۵۷ ح ۵۸۷.

2.. خلافت وولايت: ص ۳۸۰.

3.. الميزان في تفسير القرآن : ج ۱ ص ۲۷۲.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14535
صفحه از 518
پرینت  ارسال به