275
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی

يبدو أنّ أوضح وجه في هذا التشبيه هو أنّ ضوء النهار دليل على وجود شمس مستورة، وكما أنّ جميع الناس تنتفع من ضوء الشمس المستورة، فجميع الناس ينتفعون من بركات الإمام الغائب.

۶. خطر بطلان الحجّة الإلهيّة

استدلّت الأحاديث۱ التي بيّنت الحكمة من وجود الإمام الغائب بخطورة بطلان الحجّة الإلهيّة في حالة عدم وجوده، وأشارت إلى الدور الأساسيّ للإنسان الكامل في نظام الوجود، ومن تلك الأحاديث:

اللّهُمَّ إنَّكَ لا تُخلِي الأَرضَ مِن حُجَّةٍ لَكَ عَلى خَلقِكَ، ظاهِرٍ أو خافٍ مَغمورٍ؛ لِئَلاّ تَبطُلَ حُجَجُكَ‏وبَيِّناتُكَ.۲

ثانياً: البركات الخاصّة

ما أشرنا إليه حتّى الآن هي بركات الإمام الغائب للبشر عموماً، ولكنّها لا تنحصر بذلك فقط، بل لوجوده بركات خاصّة لمن له الأهليّة الكافية لذلك، وقد ذكرتها أحاديث أهل البيت عليهم‏السلام، وسوف نعرضها فيما يلي:

۱. الهداية الباطنية

الهداية الإلهيّة نوعان: عامّة۳ وخاصّة.۴ والهداية العامّة تعني إراءة الطريق، ولكنّ الخاصّة

1.. بعنوان المثال راجع ص ۲۵۸ ـ ۲۶۱ ح ۵۸۹ ـ ۵۹۳.

2.. راجع : ص ۲۶۰ ح ۵۹۱ .

3.. كما تدلّ عليها الآية ۳ من سورة الإنسان: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً».

4.. كما تدلّ عليها الآية ۶۹ من سورة العنكبوت: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا».


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
274

وَأَمّا وَجهُ الاِنتِفاعِ بي في غَيبَتي، فَكالاِنتِفاعِ بِالشَّمسِ إِذا غَيَّبَتها عَنِ الأَبصارِ السَّحابُ.۱

وذُكرت وجوه مختلفة في بيان تشبيه الإمام الغائب بالشمس خلف السحب۲، ولكن

1.. راجع: ص ۲۶۳ ح ۵۹۷.

2.. بيّن العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار : ج۵۲ ص۹۳ ثمانية أوجه لهذا التشبيه، حيث قال «التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب يومي إلى اُمور:
الأوّل: أنّ نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه عليه‏السلام، إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنّهم العلل الغائية لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم والتوسل إليهم يظهر العلوم والمعارف على الخلق، ويكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، كما قال تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ»، ولقد جرّبنا مراراً لا نُحصيها أنّ عند انغلاق الاُمور وإعضال المسائل، والبعد عن جناب الحقّ تعالى، وانسداد أبواب الفيض، لمّا استشفعنا بهم وتوسّلنا بأنوارهم، فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت، تنكشف تلك الاُمور الصعبة، وهذا معاين لمن أكحل اللّه‏ عين قلبه بنور الإيمان، وقد مضى توضيح ذلك في كتاب الإمامة.
الثاني: كما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها، ينتظرون في كلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها؛ ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيّام غيبته عليه‏السلام ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كلّ وقت وزمان، ولا ييأسون منه.
الثالث: أنّ منكر وجوده عليه‏السلام مع وفور ظهور آثاره، كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
الرابع: أنّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب، فكذلك غيبته عليه‏السلامأصلح لهم في تلك الأزمان، فلذا غاب عنهم.
الخامس: أنّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب، وربّما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها، فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربّما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم، ويكون سبباً لعماهم عن الحقّ، تحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته، كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرّر بذلك.
السادس: أنّ الشمس قد يخرج من السحاب وينظر إليه واحد دون واحد، فكذلك يمكن أن يظهر عليه‏السلام في أيّام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
السابع: أنهم عليهم‏السلام كالشمس في عموم النفع، وإنّما لا ينتفع بهم من كان أعمى؛ كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى: «مَن كَانَ فِى هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الْأَخِرَةِ أَعْمَى وَ أَضَلُّ سَبِيلاً » الأسراء: ۷۲.
الثامن: أنّ الشمس كما أنّ شعاعها تدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم ـ التي هي روازن قلوبهم ـ من الشهوات النفسانية والعلائق الجسمانية، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية، إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.
فقد فتحتُ لك من هذه الجنّة الروحانية ثمانية أبواب، ولقد فتح اللّه‏ عليّ بفضله ثمانية اُخرى تضيق العبارة عن ذكرها، عسى اللّه‏ أن يفتح علينا وعليك في معرفتهم ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14491
صفحه از 518
پرینت  ارسال به