لِتَخدِميني، بَل أنَا أخدِمُكِ عَلى بَصَري. فَسَمِعَ أبو مُحَمَّدٍ عليهالسلام ذلِكَ، فَقالَ: جَزاكِ اللّهُ يا عَمَّةُ خَيرا. فَجَلَستُ عِندَهُ إلى وَقتِ غُروبِ الشَّمسِ، فَصِحتُ بِالجارِيَةِ وقُلتُ: ناوِليني ثِيابي لِأَنصَرِفَ.
فَقالَ عليهالسلام: لا يا عَمَّتا، بِيتِي اللَّيلَةَ عِندَنا، فَإِنَّهُ سَيولَدُ اللَّيلَةَ المَولودُ الكَريمُ عَلَى اللّهِ عز و جل، الَّذي يُحيِي اللّهُ عز و جل بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِها، فَقُلتُ: مِمَّن يا سَيِّدي، ولَستُ أرى بِنَرجِسَ شَيئا مِن أثَرِ الحَبَلِ ؟ فَقالَ: مِن نَرجِسَ لا مِن غَيرِها. قالَت: فَوَثَبتُ إلَيها فَقَلَّبتُها ظَهرا لِبَطنٍ فَلَم أرَ بِها أثَرَ حَبَلٍ، فَعُدتُ إلَيهِ عليهالسلام فَأَخبَرتُهُ بِما فَعَلتُ، فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قالَ لي:
إذا كانَ وَقتُ الفَجرِ يَظهَرُ لَكِ بِهَا الحَبَلُ ؛ لِأَنَّ مَثَلَها مَثَلُ اُمِّ موسى عليهالسلام، لَم يَظهَر بِهَا الحَبَلُ، ولَم يَعلَم بِها أحَدٌ إلى وَقتِ وِلادَتِها ؛ لِأَنَّ فِرعَونَ كانَ يَشُقُّ بُطونَ الحَبالى في طَلَبِ موسى عليهالسلام، وهذا نَظيرُ موسى عليهالسلام.
قالَت حَكيمَةُ: فَعُدتُ إلَيها فَأَخبَرتُها بِما قالَ، وسَأَلتُها عَن حالِها، فَقالَت: يا مَولاتي، ما أرى بي شَيئا مِن هذا، قالَت حَكيمَةُ: فَلَم أزَل أرقُبُها إلى وَقتِ طُلوعِ الفَجرِ، وهِيَ نائِمَةٌ بَينَ يَدَيَّ لا تُقَلِّبُ جَنبا إلى جَنبٍ، حَتّى إذا كانَ آخِرُ اللَّيلِ وَقتَ طُلوعِ الفَجرِ وَثَبَت فَزِعَةً، فَضَمَمتُها إلى صَدري وسَمَّيتُ عَلَيها، فَصاحَ (إلَيَّ) أبو مُحَمَّدٍ عليهالسلام، وقالَ: اِقرَئي عَلَيها: «إِنَّا أَنزَلْنَهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» فَأَقبَلتُ أقرَأُ عَلَيها وقُلتُ لَها: ما حالُكِ ؟ قالَت: ظَهَرَ بِيَ الأَمرُ الَّذي أخبَرَكِ بِهِ مَولايَ. فَأَقبَلتُ أقرَأُ عَلَيها كَما أمَرَني، فَأَجابَنِيَ الجَنينُ مِن بَطنِها يَقرَأُ مِثلَ ما أقرَأُ، وسَلَّمَ عَلَيَّ.
قالَت حَكيمَةُ: فَفَزِعتُ لِما سَمِعتُ، فَصاحَ بي أبو مُحَمَّدٍ عليهالسلام: لا تَعجَبي مِن أمرِ اللّهِ، إنَّ اللّهَ عز و جل تَبارَكَ وتَعالى يُنطِقُنا بِالحِكمَةِ صِغارا، ويَجعَلُنا حُجَّةً في أرضِهِ كِبارا. فَلَم يَستَتِمَّ الكَلامُ حَتّى غُيِّبَت عَنّي نَرجِسُ فَلَم أرَها، كَأَنَّهُ ضُرِبَ بَيني وبَينَها