247
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی

وأشار الإمام الصادق عليه‏السلام إلى هذه الحكمة فقال:

ما يَكونُ هذَا الأَمرُ حَتّى لا يَبقى صِنفٌ مِنَ النّاسِ إلاّ وَقَد وُلّوا عَلَى النّاسِ؛ حَتّى لا يَقولَ قائِلٌ: إنّا لَو وُلّينا لَعَدَلنا، ثُمَّ يَقومُ القائِمُ بِالحَقِّ وَالعَدلِ.۱

وبناءً على ذلك تقتضي الحكمة أن يبقى الإمامُ الذي ادّخره اللّه‏ لإقامة العدل في جميع أنحاء العالم مستتراً بالغيب قبل توفّر أرضيّة حكومته العالميّة، وإلاّ سيُستشهد كأجداده العظام بأيدي الحكّام الظلمة. وأشار الإمام الصادق عليه‏السلام إلى هذه الحكمة في قوله:

إنَّ لِلقائِمِ غَيبَةً قَبلَ أن يَقومَ، إنَّهُ يَخافُ ـ وَأَومَأَ بِيَدِهِ إلى بَطنِهِ؛ يَعنِى القَتلَ ـ.۲

بديهي أنّ القصد من الخوف ليس الخوف من الشهادة؛ لأنّ الإمام المهديّ عليه‏السلام كأجداده الأجلاّء من عشّاق الشهادة في سبيل اللّه‏، بل هو الخوف من وقوف موته حائلاً دون تحقّق الوعد الإلهيّ في أن يعمّ الإسلام جميع أرجاء العالم، ولايتحقّق الهدف الكبير لجميع الأنبياء في نشر العدالة الاجتماعيّة الشاملة.

وإمعان النظر في الحكمة من غيبة الإمام المهديّ عليه‏السلام يعرب عن جسامة المسؤليّة الملقاة على معتنقي الدين الإسلاميّ في سبيل توفير أرضيّة العولمة لهذه الشريعة، وما جاء في تبيين حكمة الغيبة بشأن اختبار الخلق في عصر غيبة الإمام المهديّ عليه‏السلام ۳ يمكن أن يكون إشارة إلى المسؤليّة الخطيرة للمسلمين ـ ولا سيّما أتباع الإمام المهديّ عليه‏السلام ـ في أيّام غيبته. وسنقدّم التوضيحات اللاّزمة بهذا الصدد عند تبييين مفهوم الانتظار.۴

1.. راجع: ص ۲۳۰ ح ۵۳۷.

2.. راجع: ص ۲۳۸ ح ۵۵۴.

3.. راجع: ص ۲۳۱ امتحان الخلق وتمحيصهم.

4.. راجع: ج ۴ ص ۴۹ (القسم السابع / انتظار فرج إمام المهدي عليه‏السلام).


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
246

الإنسانيّة والإسلاميّة في العالم. ووحده القادر على هزيمة كلّ القوى الشيطانيّة، واجتثاث جذور الظلم والتعدّي في هذه الدنيا، وهدم أبنية الشرك والنفاق، وإحياء الأحكام القرآنية الإلهيّة، وإقامة جميع القيم الإنسانيّة وعلى رأسها العدالة الاجتماعيّة في العالم.

ولكن ينبغي الالتفات ـ كما نوّهنا بذلك ـ إلى أنّه إضافة إلى توفّر أرضيّة عولمة الإسلام، سيحقّق الإمام هذه الأهداف ليس عن طريق الإعجاز والإكراه؛ لأنّ السنّة الإلهيّة جرت على أن لا يكون صلاح الناس بالإكراه، بل يجب أن يتمّ هذا الأمر بوعي واختيار.

الحكمة من غيبة الإمام المهديّ عليه‏السلام

يمكن القول مع مراعاة الملاحظات المذكورة أعلاه: يُحتمل بقوّة أنّ الأساس في حكمة غيبة الإمام المهديّ عليه‏السلام هو افتقاد الأرضيّة السياسيّة والاجتماعيّة لعولمة الإسلام، ولايمكن لعموم الناس فهم هذه الحكمة إلاّ عند ظهوره فقط، مثلما بيّن الإمام الصادق عليه‏السلام الحكمة في الغيبة فقال:

إنَّ وَجهَ الحِكمَةِ في ذلِك لا يَنكشِفُ إلاّ بَعدَ ظُهورِهِ، كما لا يَنكشِفُ وَجهُ الحِكمَةِ لِما أتاهُ الخِضرُ عليه‏السلام مِن خَرقِ السَّفينَةِ، وَقَتلِ الغُلامِ، وَإقامَةِ الجِدارِ لِموسى عليه‏السلام إلاّ وَقتَ افتِراقِهِما.۱

وبناءً عليه، فجميع ماجاء في تبيين الحكمة من غيبة الإمام المهديّ عليه‏السلام في الأحاديث الإسلاميّة وأشرنا إليه في العناوين والروايات السابقة، يرجع بنوع ما إلى هذه الحكمة، أو إلى أمرٍ تمّ بيانه بما يتناسب وفهم المخاطب.

فمثلاً أحد عوامل توفير الأرضيّة السياسيّة لحكومة الإمام المهديّ عليه‏السلام العالميّة هو أن يختبر الناس جميع الحكومات المنادية بالعدالة والحرّيّة وحقوق الإنسان، ثمّ يصلون عمليّاً إلى نتيجة هي عدم إمكانيّة تحقيق العدالة في العالم إلاّ بالقيادة الإلهيّة لأهل بيت الرسالة.

1.. راجع: ص ۲۲۷ ح ۵۳۴.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14490
صفحه از 518
پرینت  ارسال به